سماحة الشيخ د. عبدالله اليوسف أثناء إلقاء خطبته (أرشيف)
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة 22 جمادى الآخر 1437هـ الموافق غرة إبريل 2016م عن خصائص التدين عند الشباب، وبروز المشاعر الدينية بصورة لافتة، وظهور الحماس الديني بقوة في مرحلة الشباب، ومن الحكمة توظيف ذلك في اتجاه أعمال الخير والصلاح بما ينفع المجتمع والأمة.
وأضاف سماحته قائلاً: تتفتح في مرحلة الشباب وتظهر جميع الغرائز؛ فمن جهة تبرز عند الشباب بقوة الغرائز والميول المادية، ومن جهة أخرى تتفتح وتستيقظ لديهم الغرائز والميول الروحية والمعنوية.
وحذر سماحته من توظيف الجماعات التكفيرية والإرهابية للحماس الديني عند الشباب في الاتجاه السلبي، وشحنهم بكراهية الآخر، ومحاربة المخالف، مما يوقعهم في شباك التطرف والغلو في الدين، واتباع منهج التكفير والإرهاب الذي يشوه صورة الإسلام الحضاري.
وذكر سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أهم خصائص التدين عند الشباب، وأولها: حب الدين؛ حيث يميل الشباب عادة إلى حب الدين بصورة فطرية، والانجذاب نحو القيم الروحية والأخلاقية؛ وذلك بفعل شعور الشباب بالحاجة إلى الدين، كما أن الإنسان مفطور على اعتناق الدين كما قال تعالى مشيراً إلى هذه الحقيقة: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾( )، فالإنسان مفطور على الانتماء إلى الدين ولكنه قد ينحرف عن تلك الفطرة بفعل عوامل خارجية مؤثرة تدفعه نحو الانحراف والسقوط في هاوية الشهوات والغرائز.
وأردف سماحته قائلاً: إن حب الدين والانتماء إليه والشعور بالحاجة إليه تبدو عند الشباب بصورة قوية جداً وذلك لوجود (الغريزة الدينية) التي أودعها اللَّه سبحانه وتعالى في شخصية الإنسان. أما ما نلاحظه من انحراف بعض الشباب عن تعاليم الدين وقيمه ومفاهيمه فهو ناتج من اتباع الهوى، وضعف الإرادة مما يجعل بعض الشباب ينساق وراء غرائزه الشهوانية من دون ضوابط ولا قيود. ولكن حتى مثل هؤلاء الشباب سرعان ما يعودون إلى الدين بعد فترة من الطيش الشبابي، لأن الإنسان -أي إنسان- لا يمكنه أن يعيش بسعادة وراحة من دون دين، وإذا ما ترك الدين الحق فسيختار أي دين ولو كان ديناً وضعياً.
ثم تحدث سماحة الشيخ اليوسف عن الخصيصة الثانية من خصائص التدين عند الشباب وهي بلورة الفهم والوعي الديني، إذ يتشكل ويتبلور وعي الإنسان وفكره في جميع الأمور في مرحلة الشباب، ومن ضمنها: تبلور الوعي الديني؛ فعادة ما يكون عند الشباب اهتمام واسع وقوي لمعرفة القضايا الدينية، وفهم القيم الروحية والأخلاقية، واستيعابه المعارف الدينية. ففي حين لا يدرك الطفل أبعاد الدين، ولا فلسفة الأحكام الدينية يكون لدى الشاب القدرة على فهم ذلك واستيعابه نتيجة لارتفاع الفهم والإدراك في مرحلة الشباب، ونمو الحس الديني في هذه المرحلة المهمة من حياة الإنسان.
ودعا سماحة الشيخ اليوسف الشباب إلى بلورة الوعي والفهم الديني عندهم بصورة عميقة وصحيحة؛ وذلك من خلال قراءة أمهات الكتب الدينية، ومجالسة أهل العلم والرأي، كما يجب على العلماء أن يقدموا أجوبة مقنعة على كل الشبهات والردود التي توجه ضد الإسلام والدين، كما يجب أن تقدم مفاهيم الدين وتعاليمه إلى الشباب بلغة عصرية بحيث يُقبل عليها، ويتفاعل معها، ويتأثر بها.
وأشار سماحته إلى أن من أهم خصائص التدين عند الشباب أيضاً الحماس الديني؛ ويتأثر هذا العامل بالخصائص الانفعالية للشباب، كما يتخذ أشكالاً مختلفة من العلامات والمظاهر، وقد يكون الحماس بشكل جماعي أو في صورة أفراد.
وتابع قائلاً: مما يجب قوله هنا هو أنه ينبغي الاستفادة من الحماس الديني عند الشباب في توجيههم نحو أفعال الخير والصلاح، وزيادة فاعليتهم العملية والإنتاجية، وتقوية إرادتهم وعزائمهم فيما يخدم قضايا المجتمع والأمة. كما يجب الاستفادة من الحماس الديني عند الشباب بدفعهم نحو الفهم الصحيح لقضايا الدين، والاطلاع الواسع والعميق على مفاهيم الدين. فالشباب عندما يكون متحمساً يكون مهيئاً للتعليم والتربية والإصلاح.
وأوضح سماحته أنه قد يستغل الحماس الديني عند بعض الشباب من قبل بعض الجماعات والتيارات التكفيرية في توجيههم في الاتجاه السلبي، وذلك عندما يكون الحماس في عنفوانه مع فهم سطحي للدين، وادعاء الحقيقة المطلقة، ورفض الآخر من نفس الدائرة الإسلامية فضلاً عن غيرها.
وشدد سماحته على ضرورة تلافي ذلك، إذ يجب توجيه الشباب، والاستفادة من الحماس الديني الموجود عندهم في الاتجاه الإيجابي، وإلا قد يتحول إلى حالة من التطرف والغلو في الدين خصوصاً إذا لم يتلقَ الشباب تربية دينية واعية، ولم يوجد من ينمي لديهم الوعي الديني الصحيح.
ودعا سماحة الشيخ اليوسف في نهاية الخطبة إلى أن يتحمل العلماء والمصلحون والقادة مسؤولياتهم وواجباتهم العظيمة في توجيه الشباب إيجابياً، وتربيتهم وإرشادهم نحو قيم وتعاليم الدين السمحة، وتنمية الوعي الديني الصحيح، والاستفادة من الاستعداد والتهيؤ النفسي الموجود عند الشباب بدفعهم نحو المزيد من العمل والعطاء والنشاط فيما يخدم قضايا المجتمع والأمة الإسلامية.