حدثت في عهد الإمام علي الهادي فتنة خلق القرآن، وأن كلام الله هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟ وكان لهذه الفتنة الكبيرة معارك دامية استمرت لعدة عقود من الزمن؛ سجن على أثرها من سجن، وقتل من قتل، ودخل في هذه المعركة بعض أئمة المذاهب الإسلامية ومشايخها.
أما الإمام الهادي فلم يدخل في هذه الفتنة، وبيًّن أن القرآن كلام الله وكفى، والمهم هو العمل بكتاب الله، أما معرفة أن كلامه تعالى مخلوق أم لا، فهو مجرد فتنة لإلهاء الناس عن قضاياهم الهامة، ولذلك نهى الإمام أتباعه عن الدخول في هذا الجدال العقيم حول هذه المسألة.
وقد أوضح الإمام الهادي الموقف من فتنة خلق القرآن الكريم؛ فقد أرسل إلى بعض شيعته ببغداد كتاباً يحدد فيه رؤية أهل البيت تجاه قضية خلق القرآن؛ وهذا نصه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، عصمنا الله وإياك من الفتنة فإن يفعل فقد أعظم بها نعمة، وإن لا يفعل فهي الهلكة، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة، اشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس له، ويتكلف المجيب ما ليس عليه، وليس الخالق إلا الله عز وجل وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالين، جعلنا وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون»[1] .
إن الإمام علي الهادي أراد أن يحمي شيعته من فتنة (خلق القرآن)، وأمرهم بالابتعاد عن الجدال في هذه المسألة الحساسة في زمانه، والاكتفاء بأن (القرآن كلام الله، لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالين) كما أوضح الإمام ذلك لشيعته، فلا يقعوا كما وقع غيرهم في مسألة واضحة لكنها وظفت شعبياً لأهداف سياسية.
فقد كان المعتصم العباسي، يمتحن الناس بمسألة (خلق القرآن)، فمن خالف قوله عوقب، وسجن وجلد، وربما قتل!!
وقد كان الأشاعرة، وبعض أئمة المذاهب كأحمد بن حنبل إمام المذهب الحنبلي يقول أن القرآن قديم، وأنه ليس بمخلوق، مما جعله يتعرض لأقسى أنواع البطش من قبل المعتصم العباسي ونظامه.
قال جلال الدين السيوطي:
«فسلك - أي المعتصم - ما كان المأمون عليه وختم به عمره من امتحان الناس بخلق القرآن فكتب إلى البلاد بذلك، وأمر المعلمين أن يعلموا الصبيان ذلك، وقاسى الناس منه مشقة في ذلك، وقتل عليه خلقاً من العلماء، وضرب الإمام أحمد بن حنبل وكان ضربه في سنة عشرين بعد المائتين»[2] .
أما ابن الأثير فقال: «أحضر المعتصم أحمد بن حنبل وامتحنه بالقرآن فلم يجبه إلى القول بخلقه، فأمر به فجلد جلداً عظيماً حتى غاب عقله وتقطع جلده وحبس مقيداً»[3] .
وقد كانت مسألة (خلق القرآن) من القضايا الكبيرة والحساسة في عهد المعتصم، ومن قبله المأمون، ثم الواثق حيث كانوا يؤيدون حركة الاعتزال، وأن القرآن مخلوق، وعندما جاء المتوكل العباسي صار مع الأشاعرة، وأخذ يحاسب ويعاقب كل من يخالف رأيه ورأيهم!!!
وهذا كله، يؤكد مستوى التعاطي مع القضايا الفكرية والمسائل الدينية في ظل الأنظمة الدكتاتورية التي تحاسب الناس على أفكارهم وعقائدهم كما كان يفعل المعتصم العباسي وغيره.
وترتبط مسألة قدم القرآن أو خلقه بأزلية كلام الله تعالى أو حدوثه، فكل من قال بأزلية كلام الله تعالى قال بقدم القرآن وأنه غير مخلوق، وأما من قال بحدوث كلام الله تعالى فقد قال بحدوث القرآن وخلقه.
ويمكن تلخيص الموقف من مسألة خلق القرآن الكريم بأن القرآن الكريم حقيقة هو هذا الذي بين أيدينا، من دون زيادة ولا نقصان، وأنه محدث، خلقه الله تعالى، وأنزله عن طريق الوحي على رسول الله ، وقرأه الرسول الأكرم بلسانه الشريف، وبلغه للناس، وحفظه المسلمون المعاصرون له، ثم من جاء بعدهم جيلاً بعد جيل، وقد تكفل الله تعالى بحفظ كتابه المجيد كما في قوله عز وجل: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[4] .
وقد أشار الإمام الهادي إلى هذه الحقيقة، حيث روى ابن شعبة الحراني عن الإمام أنه قال: «اعلموا رحمكم الله... قد اجتمعت الأُمّة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق، والقرآن حقّ لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه، فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه، وأنكر الخبر طائفة من الأُمّة لزمهم الإقرار به»[5] .
فالقرآن حق لا ريب فيه، وقد أجمعت الأمة بجميع مذاهبها وفرقها على تنزيله وتصديقه وصحة كل ما فيه، ولذلك لا خلاف بين المسلمين في أن القرآن حجة على كل مسلم ومسلمة.