الإمام علي (ع) ووضع علم النحو
الشيخ عبدالله اليوسف - 20 / 4 / 2016م - 9:29 م

من المعروف عند المؤرخين أن أول من وضع علم النحو، وأسس قواعده، وفرع فروعه، وَحَدَّ  حدوده هو الإمام علي ، وقد أخذ عنه أبو الأسود الدُؤلي (ظالم بن عمرو) ووسعه وفرع عليه، ونحا نحوه، فسمي نحواً.

قال السيد محسن الأمين (رحمه الله):

«أول من وضع أصول علم النحو باتفاق الرواة وأهل العلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، ألقاها إلى أبي الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو أحد سادات التابعين، وزاد عليه أبو الأسود وفرع بإرشاد علي وإشارته»[1] .

وأضاف قائلاً: «والصحيح أن أول من وضع علم النحو علي بن أبي طالب لأن الروايات كلها تسند إلى أبي الأسود، وأبو الأسود يسند إلى علي، فإنه روي عن أبي الأسود أنه سئل فقيل له: من أين لك هذا النحو؟ فقال: لفقت حدوده من علي بن أبي طالب. وأخذ عن أبي الأسود عنبسة الفيل وميمون الأقرن ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز ويحيى بن يعمر.

قال ابن النديم: قال بعض العلماء: إن نصر بن عاصم أخذ عن أبي الأسود. وفي بغية الوعاة عن ياقوت قال: كان نصر يسند إلى أبي الأسود في القرآن والنحو.

ويحكى عن أبي الأنباري في خطبة شرح كتاب سيبويه أنه ذكر أن قراءة  ﴿أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [2]  بالجر وقعت في عصر النبي ، وأنه أشار إلى أمير المؤمنين بوضع علم النحو، فعلم أبا الأسود العوامل والروابط وحصر الحركات الإعرابية والبنائية فألف ذلك، وإذا أشكل عليه شيء راجع أمير المؤمنين، وأتى به إلى أمير المؤمنين فاستحسنه، وقال: نعم ما نحوت -أي قصدت- فللتفاؤل بلفظ علي سمي هذا العلم نحواً باختصار، وكون ذلك في عصر النبي مع أنه انفرد به ينافيه أنه في ذلك العصر كانت اللغة العربية محروسة من اللحن، وإنما حدث هذا بعد اختلاط العرب بغيرهم»[3] .

وذكر العلامة القفطي في ( إنباه الرواة على أنبأ النجاة ) قال: وأهل مصر قاطبة يرون بعد النقل والتصحيح، أن أول من وضع النحو علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وأخذ عنه أبو الأسود الدؤلي، وأخذ عن أبي الأسود الدؤلي نصر بن عاصم البصري، وأخذ عن نصر أبو عمرو بن العلا البصري، وأخذ عن أبي عمرو الخليل بن أحمد، وأخذ عن الخليل سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان ين قنبر، وأخذ عن سيبويه أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط، وأخذ عن الأخفش أبو عثمان بكر بن محمد المازني الشيباني وأبو عمرو الجرمي، وأخذ عن المازني والجرمي أبو العباس محمد بن يزيد المبرد، وأخذ عن المبرد أبو إسحاق الزجاج وأبو بكر بن السراج، وأخذ عن ابن السراج أبو علي الحسن بن عبد الغفار الفارسي، وأخذ عن الفارسي أبو الحسن علي بن عيسى الربيعي، وأخذ عن الربعي أبو نصر القاسم بن مباشر الواسطي، وأخذ عن ابن المباشر طاهر بن أحمد بن بشاذ المصري، وأخذ أيضاً عن الزجاج أبو جعفر النحاس أحمد بن إسماعيل المصري، وأخذ عن النحاس أبو بكر الأدفوي، وأخذ عن الأدفوي أبو الحسن علي بن إبراهيم الحوفي، وأخذ عن الحوفي طاهر بن أحمد بن بابشاذ النحوي، وأخذ عن ابن بابشاذ أبو عبدالله محمد بن بركات النحوي المصري، وأخذ عن ابن بركات وعن غيره أبو محمد بن بري، وأخذ عن ابن بري جماعة من علماء أهل مصر وجماعة من القادمين عليه من المغرب وغيرها، وتصدر في موضعه بجامع عمرو بن العاص تلميذه الشيخ أبو الحسين النحوي المصري المنبوز بخرء الفيل .ومات في حدود سنة عشرين وستمائة[4] .

وأشار ابن أبي الحديد المعتزلي إلى دور الإمام علي في تأسيس علم النحو قائلاً: « ومن العلوم: علم النحو  والعربية، وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه وأنشأه، وأملى على أبى الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله، من جملتها الكلام كله ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف. ومن جملتها: تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة، وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم، وهذا يكاد يلحق بالمعجزات، لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر، ولا تنهض بهذا الاستنباط»[5] .

وذكر أبو الأسود الدؤلي سبب وضع الإمام علي لعلم النحو حيث قال: دخلت على أمير المؤمنين علي فرأيته مطرقاً مفكراً، فقلت: فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟

فقال: سمعت ببلدكم لحناً، فأردت أن أصنع كتاباً في أصول العربية، فقلت له: إن فعلت هذا أبقيت فينا هذه اللغة العربية، ثم أتيته بعد أيام، فألقى إليّ صحيفة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كله اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معني ليس باسم ولا فعل ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك.

واعلم أن الأشياء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر. فجمعت أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها: إن، وأن، وليت، ولعل، وكأن، ولم أذكر لكن، فقال: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بلى هي منها، فزدها فيها[6] .

وذكر ابو البركان الأنباري في (نزهة الألباء): أن أبا الأسود الدؤلي قال:

دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فوجدت في يده رقعة، فقلت: ما هذه يا أمير المؤمنين؟

فقال: إني تأملت كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء - يعني الأعاجم - فأردت أن أصنع شيئاً يرجعون إليه ويعتمدون عليه، ثم ألقى إلي الرقعة وفيها مكتوب: الكلام كله اسم وفعل وحرف، فالاسم، ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ به، والحرف ما أفاد معنى.

وقال لي: انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة: ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر، وإنما يتفاضل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهر ولا مضمر، وأراد بذلك الاسم المبهم.

قال: ثم وضحت بابي العطف والنعت ثم بابي التعجب والاستفهام إلى أن وصلت إلى باب إن وأخواتها ما خلا لكن، فلما عرضتها على علي أمرني بضم لكن إليها، وكنت كلما وضعت باباً من أبواب النحو، عرضته عليه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية، قال: ما أحسن هذا النحو الذي قد نحوت، فلذلك سمي نحواً[7] .

والأدلة على أن أول من وضع علم النحو هو أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كثيرة ومتنوعة ومستفيضة، وفيما ذكرناه كفاية وزيادة، لأن الأمر مقطوع به عند العامة والخاصة.

الهوامش:
[1] أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج1، ص230.
[2]  سورة التوبة، الآية: 3.
[3] أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج1، ص 233.
[4] شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي النجفي، ج8، ص 10.
[5] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد،ج1، ص38.
[6] شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي النجفي، ج8، ص 11.
[7] شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي النجفي، ج8، ص 12.
اضف هذا الموضوع الى: