سماحة الشيخ د. عبدالله اليوسف أثناء إلقاء خطبته (أرشيف)
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة 20 شعبان 1437هـ الموافق 27 مايو 2016م عن أهمية الاعتناء والتركيز والاهتمام بالقرآن الكريم تلاوة وتدبراً وفهماً وحفظاً لآياته الشريفة.
وأضاف سماحته قائلاً: وصف الله عز وجل القرآن بأنه كتاب هدى وهداية، وكتاب رحمة، وكتاب بشرى، وكتاب نور وبصيرة، وكتاب إنذار وتبشير، وكتاب شفاء وإشفاء.
وتابع سماحته بالقول: لأن القرآن الحكيم فيه تبيان لكل شيء كما في قوله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ يجب علينا كمسلمين العمل بما فيه، فالقرآن إنما أنزل ليعمل بما جاء فيه، ولتطبق أحكامه ومفاهيمه وتصوراته في الحياة.
وأوضح سماحته أن أئمة أهل البيت الأطهار كانوا يحثون على اتباع القرآن والعمل بما فيه، فقد ورد عن أمير المؤمنين : « علَيكُم بالقرآنِ، فاتَّخِذُوهُ إماماً وقائداً » وقوله : : «اللَّهَ اللَّهَ في القرآنِ، لا يَسبِقُكُم بالعَمَلِ بهِ غَيرُكُم ».
وأشار سماحته إلى أن القرآن الكريم يكفيه فخراً وشرفاً وعظمة أنه كلام الله تعالى، فقد قيل للإمام الصادق : ما تقول في القرآن؟ فقال: (( هو كلام الله، وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله وتنزيله )).
وتناول سماحة الشيخ عبدالله اليوسف واقع تعامل المسلمين اليوم مع القرآن الكريم وما يجب التعامل به مع كتاب الله المجيد.
وانتقد سماحته التلاوة المجردة للقرآن الكريم بعيداً عن التدبر فيه، فأجيالنا المعاصرة -وخصوصاً في شهر رمضان- تقرأ القرآن، وتتلو آياته، وتستمع إليه عبر التلفاز والمذياع؛ ولكن بدون تدبر، أو تأمل، أو تفكر، أو تعمق! بينما نجد في القرآن نفسه آيات عديدة تدعو للتدبر والتأمل والتفكر، يقول اللَّه تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾.
ولفت سماحته إلى تضخم الاهتمام بالتجويد وتعلم المقامات والقراءات المختلفة للقرآن عند بعض اللجان القرآنية، مستطرداً أن الاهتمام بهذا الأمر وإن كان جيداً في حد نفسه ولكن ينبغي عدم المبالغة والتركيز عليه، في حين نجد غياب أو قلة الاهتمام بالتفسير والتدبر في القرآن، بينما التدبر وفهم القرآن هو الأساس الذي يجب التركيز عليه والاهتمام به أكثر.
وأكد سماحته على ضرورة التدبر في القرآن الكريم حتى نفهمه بصورة صحيحة وعميقة، وإلا فسينطبق علينا حديث الرسول حين قال: (( ويل لمن لاكها بين لحييه [وهما عظمتا الفم] ثم لم يتدبرها )) وقال الإمام علي: (( ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر )) لأن القراءة بدون تدبر يعني تحويل القرآن إلى حروف بدون معان، وكلمات بدون مفاهيم، وألفاظ بدون بصائر.
ونبّه سماحته إلى أن هناك قسماً من الناس يقرأ القرآن دائماً، ويفهمه جيداً، ولكن بدون أن يحول تعاليم القرآن ورؤاه إلى واقع وعمل! .. هؤلاء ينطبق عليهم حديث الرسول الأعظم حيث يقول: (( كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه )).
وبيّن سماحته أن القرآن وسيلة إلى هدف، ومن الخطأ تحويله إلى هدف بذاته، لأن القرآن وسيلة، والعمل هو الهدف، فالقرآن الذي نزل من السماء كان طريقاً وصراطاً وسبيلاً ونوراً.. وبالتالي كان وسيلة، بينما فهم البعض القرآن غاية ونهاية وهدفاً في ذاته؛ حتى لا يلتزموا بما أمر به القرآن الكريم!
وحذر سماحة الشيخ اليوسف من الفهم التجزيئي والمصلحي للقرآن، فهناك من يؤمن بجزء من القرآن، وهو -عادة- ما يتلاءم مع مصالحه وأهوائه وغرائزه الشخصية، ولكنه يكفر بالقرآن في الجانب الذي لا يتلاءم مع مصالحه، أو يكلفه ما لا يريد!
وضرب سماحته مثالاً بمن يأخذ بالقرآن في المجال العبادي فقط، ولكنه لا يعمل بالقرآن في المجالات الأخرى؛ كالمجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي والأخلاقي، اللَّهم إلا بمقدار ما يتلاءم مع مصالحه وأهوائه وحساباته الشخصية! وقد ورد عن النبي قوله: (( أكثر ما أخاف على أمتي من بعدي، رجل يتأول القرآن، يضعه على غير مواضعه )) إن القرآن كلٌّ لا يتجزأ، وفهمه لن يكون إلا بقراءته كاملاً.
وشدد سماحته على الاهتمام بلباب القرآن وإلا تحولنا إلى البحث عن القشور، وعلينا التركيز على القضايا الرئيسية والمهمة التي يشير إليها القرآن الكريم، والعمل وفقها.
وفي ختام خطبته دعا سماحته الأجيال المعاصرة إلى الاستفادة من القرآن الكريم في كل المجالات: كالمجال الاجتماعي والثقافي والفكري والاقتصادي والعلمي والأدبي.. وجميع شؤون الحياة الأخرى.
وأكد سماحته على وجوب التتلمذ على القرآن، عبر التدبر في آياته، وتطبيق تعاليمه، والالتزام بأوامره ونواهيه، والاستفادة منه في كل شؤون الحياة حتى نكون من أصدقاء القرآن المخلصين!