سماحة الشيخ عبدالله اليوسف بتاريخ 12 محرم 1438هـ
|
انتقد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف في خطبة الجمعة 12 محرم 1438هـ الموافق 14 أكتوبر 2016م ظاهرة العنف اللفظي ضد من نختلف معهم في مسائل خلافية وخصوصاً في أيام عاشوراء الحسين ، معتبراً أن التراشق الكلامي وتبادل الاتهامات واستخدام الكلمات والألفاظ الجارحة والعنيفة لا يتناسب مع مناسبة عظيمة كعاشوراء الحسين ذات أهداف رسالية عظيمة وكبيرة.
وأضاف سماحته قائلاً: إن علينا جميعاً التخلق بأخلاقيات الإمام الحسين ، فقد كان مثالاً وأنموذجاً للتسامح واللاعنف والرفق، ومن الحكمة التعامل برفق ولين وأدب مع من نختلف معهم في رأي أو فكرة خصوصاً إذا تعلق الأمر بالاختلافات العلمية الناتجة أساساً من اختلاف الفقهاء فيها.
وتابع سماحته قائلاً: من المهم جداً الارتقاء بمستوى الخطاب الحسيني، والابتعاد عن كل ما يثير الخلاف والصراع والفرقة بين المؤمنين، والتسامح تجاه المسائل العلمية المختلف فيها، وأن تكون قضية الإمام الحسين مصدر توحيد وجمع لكلمة المؤمنين ووحدتهم.
وبيّن سماحته جوانب من السيرة العطرة للإمام الحسين ومنهجه الراقي في التسامح واللاعنف، إذ يذكر لنا التاريخ أن رجلاً قال للإمام الحسين: إن فيك كبراً!
فقال له الإمام الحسين: «كل الكبر لله وحده، ولا يكون في غيره، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ».
وأوضح سماحة الشيخ اليوسف أن الإمام الحسين تعامل مع هذا الناقد المخطئ بكل لطف ورفق، ولم يشتمه أو يرد عليه بما لا يليق، بل أجابه بكل رحابة صدر مبيناً له خطأ انتقاده للإمام بأن الكبر لا يكون إلا لله تعالى، وأن الإمام فيه عزة المؤمنين وصلابة الإيمان.
وأضاف سماحته أنه في موقف آخر يتضح بجلاء التسامح الإنساني عند الإمام الحسين ورحمته وشفقته ورفقه حتى بأعدائه، فعندما أدركه الجيش الأموي بقيادة الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس للقبض عليه ورأي ما حل بهم من ألم العطش الشديد، أمر الإمام الحسين بإسقائهم الماء، وأن يرشفوا الخيول ترشيفاً.
وأشار سماحة الشيخ اليوسف إلى أن الإمام الحسين قد فرضت عليه الحرب، ولم يكن طالباً لها، ورفض أن يبدأ الجيش الأموي بالحرب، فعندما أراد مسلم بن عوسجة أن يبدأ بالحرب قال له الإمام الحسين : «إني أكره أن أبدأهم بقتال».
ودعا سماحته الجميع إلى الاقتداء والتأسي بالإمام الحسين من خلال التحلي بمنهج اللاعنف والتسامح في كل أبعاد الحياة مثل: اللاعنف في الحياة الأسرية والعائلية، اللاعنف في العلاقات الاجتماعية، اللاعنف بين المؤمنين، اللاعنف مع الآخر الديني أم المذهبي أم الفكري.
وأوضح سماحة الشيخ عبدالله اليوسف إلى أن الإسلام قائم على الدعوة إلى اللاعنف والسلم والسلام كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً﴾ فهذا هو الأصل وما عداه استثناء.
ولفت سماحته إلى أن الإسلام حريص على التعامل برفق ولين ورحمة مع الإنسان حتى في حالة الموت، فقد قال الإمام الصادق لأحد أصحابه وهو يبين له كيفية تغسيل الميت ما نصه: «واغْسِلْه بِرِفْقٍ وإِيَّاكَ والْعُنْفَ واغْسِلْه غَسْلاً نَاعِماً» فاللازم على مكرمي الموتى الانتباه إلى هذه الملاحظة المهمة، وفي هذا دلالة قوية على احترام الإسلام للإنسان سواء كان حياً أم ميتاً.
واستشهد سماحة الشيخ اليوسف بالعديد من الأحاديث والروايات الحاثة على وجوب التحلي بأخلاقيات اللاعنف كالرفق واللين والسلم والرحمة، كقوله : «إنّ الرِّفقَ لَم يُوضَعْ على شيءٍ إلّا زانَهُ، ولا نُزِعَ مِن شَيءٍ إلّاشانَهُ» وقوله : «الرِّفْقُ يُمنٌ والخُرقُ شُؤمٌ» وقال الإمام علي : «كُن ليّناً من غير ضعف شديداً من غيرعُنْف» وقال الإمام علي : « الرِّفقُ يُؤَدِّي إلى السِّلْمِ » وقال الإمام الباقر : « إنّ اللَّهَ عزّوجلّ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ويُعطِي على الرِّفقِ ما لا يُعطِي على العُنفِ».
وأشار سماحة الشيخ اليوسف إلى أنه في الوقت التي تؤكد الوصايا والتعاليم الدينية على الرفق ونبذ العنف والتسامح تنهى عن بذاءة اللسان والفحش في الكلام، فعن النبي قال: « إيّاكُم والفُحشَ؛ فإنّ اللَّهَ عَزَّوجلَّ لا يُحِبُّ الفاحِشَ المُتَفَحِّشَ» . وقال الإمامُ الباقرُ: «إنَّ اللَّهَ يُبغِضُ الفاحِشَ المُتَفَحِّشَ» وعنه أيضاً: «سِلاحُ اللِّئامِ قَبيحُ الكلامِ».
ودعا سماحة الشيخ اليوسف الجميع إلى التحلي بفضيلة اللاعنف والتسامح قولاً وفعلاً وممارسة حتى تنتشر ثقافة اللاعنف في المجتمع، وتتحول إلى ثقافة عامة ومنهج سلوكي في الحياة.