سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أثناء إلقاء الخطبة
|
تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة 26 محرم 1438هـ الموافق 28 أكتوبر 2016م عن عناية واهتمام الإمام علي بن الحسين (السجاد) الكبيرة بالقرآن الكريم تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتدبراً. فقد كان الإمام يتعاهد القرآن ويحث على تعاهده، ويوصي أصحابه وشيعته بالعناية به، وبقراءته وتلاوته والتدبر فيه.
وأوضح سماحته أن الإمام زين العابدين اشتهر بأنه كان من أحسن الناس صوتاً في قراءته للقرآن الكريم، فكان يتلوه حق تلاوته، ويجود صوته أثناء تلاوته له، حتى أن من يمر على باب داره يقف حتى يستمع لتلاوته للقرآن الكريم.
فقد قال الإمام الصادق : «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ- صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ- أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتاً بِالْقُرْآنِ، وَ كَانَ السَّقَّاؤُونَ يَمُرُّونَ، فَيَقِفُونَ بِبَابِهِ يَسْمَعُونَ قِرَاءَتَهُ».
وعَنْ أَبِي الْحَسَنِ ، قَالَ: «إِنَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَانَ يَقْرَأ القرآن، فَرُبَّمَا مَرَّ بِهِ الْمَارُّ، فَصَعِقَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ».
واعنبر سماحته أن هذا الأمر يدل على التأثر القوي بتلاوة الإمام السجاد للقرآن الكريم، فالتلاوة المرتلة والجميلة تترك تأثيرها وأثرها في النفوس والقلوب، ولذلك أمر الله في كتابه بتلاوة القرآن بالترتيل كما في قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾.
وأشار سماحته إلى أن الإمام السجاد كان دائم التلاوة لكتاب الله تعالى، ويجد فيه لذة لا تعدلها أية لذة أخرى، فكان جليسه الدائم الذي لا يفارقه هو القرآن الكريم حتى قال : «لَوْ مَاتَ مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ، لَمَا اسْتَوْحَشْتُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مَعِي».
وانتقد سماحة الشيخ اليوسف إدمان بعض الشباب السلبي على (الواتساب)، وإهمال تلاوة القرآن الكريم إلا نادراً، وعدم التدبر فيه، أو محاولة فهم آياته الشريفة؛ حتى أصبح البعض غافلاً عن القرآن الكريم، وتحول جليسهم الدائم والمفضل (الواتساب) حتى في المساجد وأثناء حضور المجالس الحسينية، وبعد الاستيقاظ من النوم وقبله؛ وأثناء أداء الوظيفة والعمل، وأثناء قيادة السيارة؛ في حين ينبغي للمؤمن أن يبدأ يومه بتلاوة آيات من القرآن الكريم، والتدبر فيه.
ولفت سماحته إلى أن الإمام السجاد كان يهتم بالتدبر بالقرآن الكريم تطبيقاً لقوله تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ﴾ وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ . فالإمام لم يكن يقرأ القرآن قراءة عابرة، أو تلاوة مجردة، وإنما كان يتدبر في آياته، ويتأمل فيما احتوته من كنوز المعرفة والعلم والحكمة والتربية والأخلاق.
وأوضح سماحته أن الإمام كان يحث أصحابه على التدبر في القرآن، وفهم آياته، واستخراج كنوزه وخزائنه، فقد قال : «آيَاتُ الْقُرْآنِ خَزَائِنُ، فَكُلَّمَا فُتِحَتْ خِزَانَةٌ، يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْظُرَ مَا فِيهَا».
وقال سماحة الشيخ اليوسف أن الإمام السجاد اعتنى بعلوم القرآن الكريم، وساهم في إثرائها وتوسعتها، فبالإضافة لعلم التفسير اهتم الإمام ببيان فضائل القرآن، وأسباب النزول، والقراءات القرآنية، والناسخ والمنسوخ، والمكي والمدني، والقصص في القرآن الكريم.
وأكد سماحته على أن من الدلائل المهمة أيضاً على عناية الإمام السجاد بالقرآن أنه يوجد في المكتبة الرضوية في مشهد مصحف شريف كتبه الإمام السجاد بخطه الشريف، وقد كتب بالخط الكوفي جاء في آخره (قوله الحق وله الملك إن الله لا يخلف الميعاد، كتبه المنتظر لوعده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب).
واعتبر سماحة الشيخ اليوسف أن الإمام السجاد استطاع أن يربي جيلاً من العلماء والفقهاء والرواة والمفسرين والكُتّاب من خلال التربية بالقرآن الكريم، والتربية بالدعاء، ومناجاة الله تعالى والانقطاع إليه عز وجل، وهو الأمر الذي أسهم في تربية جيل مؤمن، وبناء كوادر مؤهلة علمياً وعملياً، وتخريج فقهاء وعلماء جمعوا بين العلم والعمل، والورع والتقوى وخدمة الدين والمجتمع، فالإمام السجاد لم ينعزل بعد حادثة كربلاء، بل استثمر تلك الحادثة المؤلمة، وما حدث بعدها من أحداث حسام في بناء جيل رسالي، وتربية كوادر مؤمنة وعلمية اصطفاهم بعناية كي يقودوا المسيرة، وينشروا فكر الإسلام وفق منهج مدرسة أهل البيت الأطهار في البلدان الإسلامية.