سماحة الشيخ عبدالله اليوسف (صورة أرشيفية)
|
أكد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف على أن نجاح القيادة الاجتماعية والشخصية الإدارية تكمن في التحلي بسعة الصدر وانشراح القلب، جاء ذلك في محاضرة ألقاها بمناسبة مولد الرسول الأكرم وحفيده الإمام الصادق بمأتم باب الحوائج الإمام موسى الكاظم بصفوى في محافظة القطيف ليلة السابع عشر من شهر ربيع الأول 1439هـ الموافق 6 ديسمبر 2017م.
واستدل في بداية كلمته بالآية المباركة ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ بقوله إن من صفات الرسول الأكرم الرئيسة هي انشراح الصدر وسعته والتي كانت من أبرز أسباب نجاح الدعوة النبوية الشريفة.
وبعدها أشار سماحته إلى معنى انشراح الصدر قائلاً: هنالك معنيان لانشراح الصدر، فالمعنى الأول هو السعة العلمية والفكرية والمعنى الآخر هو السعة الأخلاقية في التعامل مع الناس وفي التأثير فيهم.
وذكر بأن الرسول الأعظم قد بعث في مجتمع تسود فيه الأعراف والتقاليد والطبائع الجاهلية فضلاً عن حالة الجهل والتخلف وتدني المستوى الأخلاقي. لكنه بعث بعظيم أخلاقه وبسعة صدره وتحمله للأمزجة المتناقضة والحادة مما جعله قادراً على التأثير القوي في مجتمعه. فقد كان يتعامل مع قومه برحمة ورفقة ولين وقد مدحه الله تعالى بأجمل الأوصاف قائلاً سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
وقد واجه النبي الكريم قساوة وفضاضة بعض قومه بمكارم أخلاقه وسعة صدره وانشراح قلبه، ومزيد من الحلم وكظم الغيظ، فقد ضرب أروع النماذج وأجمل الأمثلة التي تدل على عظيم أخلاقه وسعة صدره، وقوة حلمه وصفحه وعفوه.
وذكر سماحته منها قصتين: فالأولى عندما جاء إلى رسول الله أعرابي، وجذب رداءه بشدة حتى أثر على صفحة عاتقه، ثم قال له بمنهى الفظاظة: يا محمد احمل لي على بعيريّ هذين من مال الله الذي عندك، فليس المال مالك ولا مال أبيك! فسكت النبي هنيئة ثم قال له: هل أقاضيك بما فعلت بي؟ فقال الأعرابي: لا. فقال: ولم؟ فقال: لأنك لا تكافئ السيئة بالسيئة فضحك النبي ، وأمر بأن يحمل له على إحدى البعيرين الشعير وعلى الآخر التمر.
أما القصة الأخرى فهي: أنه في يوم من الأيام جاء إليه أعرابي أيضاً يطلب حاجة فأعطاه الرسول ثم قال له: هل أحسنت إليك؟ فقال الأعرابي: لا أحسنت ولا أجملت! فغضب المسلمون وأرادوا ضربه؛ لكنه أشار إليهم أن يكفوا عنه ويجلسوا. ثم دخل إلى منزله وأتى إليه بشيء زاده مما طلب ثم أعطاه إياه وقال له: هل أحسنت إليك؟ فقال: نعم جزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.
ثم ذكر سماحة الشيخ اليوسف بأن قسماً من الناس يعاني من انقباض في القلب وضيق في الصدر، فهناك من تكون لديهم كراهية لمن يختلف معهم في آرائهم وأفكارهم، مشدداً على ضرورة أن يكون لدى المجتمع اليوم السعة الفكرية والعلمية والأخلاقية لتقبل آراء وأفكار الآخرين، وأمزجة وطبائع البشر بدلاً من حمل الحقد والكراهية تجاههم.
ودعا سماحته الجميع إلى التحلي بسعة الصدر، وأن تتسع قلوبنا تجاه بعضنا البعض وإن اختلفنا في الأفكار والآراء والمواقف والأمزجة.
وأشار إلى أهمية أن تكون الانطلاقة في التعامل بسعة الصدر داخل المنزل، فعلى رب الأسرة أن يتعامل برفق وحلم وشفقة وحكمة وانشراح في صدره مع زوجته وأولاده، مشيراً إلى أن الشخصية الاجتماعية كعلماء الدين والمعلمين والأطباء وغيرهم العاملين في المجالات العامة المعتادة على مواجهة الجمهور المتنوع بأفكاره وانتماءاته وأمزجته بأن يتصف الشخص أكثر وأكثر بسعة الصدر وانشراحه.
وذكر سماحة الشيخ اليوسف في تتبعه لقضايا الشباب بأن انشغال الجيل الجديد بالتقنية الحديثة والإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي يجعل الإنسان في حالة ضيق في الصدر.
ويفسر ذلك قائلاً: بأن التعامل مع العالم الافتراضي التقني أشبه بالتعامل مع آلة وهمية تفتقد المشاعر والأحاسيس إلى من حولهم واستدل على ذلك بالمقارنة مع الجيل السابق الذي كان يعيش بساطة في العيش وطيب في القلب ولديه سعة في الصدر وانشراح في الأخلاق داعياً إلى أهمية العودة لسيرة النبي العطرة وجعلها القدوة في ذلك.
وبيّن أن نجاح الإنسان في مسيرة حياته وتميزه في علاقاته الأخلاقية والاجتماعية يعتمد على مدى انشراح قلبه وسعة صدره وكما قال أمير المؤمنين : «آلة الرئاسة سعة الصدر».
وختم سماحته كلمته قائلاً: إن سر السعادة في الحياة والنجاح في المجتمع هو انشراح القلب وانفتاحه داعياً الجميع إلى ضرورة التحلي بهذه السمة الجميلة والصفة الرائعة من خلال التمسك بالقدوة العليا والسيرة الأسمى لرسول الله محمد بن عبدالله قولاً وفعلاً وسلوكاً.