الرسول الأعظم والتعامل مع الأطفال
محرر الموقع - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
اهتم النبي اهتماماً كبيراً بتربية الأطفال تربية سليمة، باعتبارهم اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وبالتالي لابد من الاهتمام بهذه اللبنة كي يُبنى المجتمع على أسس قوية وصلبة.
ومن خلال قراءة السيرة النبوية المباركة، ووصايا النبي بالأطفال، يمكننا الإشارة إلى أهم الأساليب والوسائل المثلى في تربية الأطفال تربية صحيحة في النقاط التالية:
1- زرع بذور التدين في شخصية الطفل:
من المهم للغاية في تربية الأطفال هو غرس القيم الدينية والأخلاقية في شخصياتهم، وذلك بشرح القضايا الدينية بصورة بسيطة كي يمكن للأطفال استيعابها، كما أن من الضروري تربية الأطفال على الأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة حتى يمكن تنشئة جيل متدين وخلوق.
ولأن الدين هو منبع الفضائل الأخلاقية، والقيم الإنسانية الراقية، فلذلك يجب أن نغرس الدين في نفوس أطفالنا، ونجعلهم يفتخرون بالانتماء إليه، والشعور بالحب تجاه كل ماله صلة به.
ومن أجل غرس الدين في نفوس الأطفال يجب اصطحابهم إلى أماكن العبادة والذكر،ومراكز الثقافـة والفكر، وكذلك توجيههم نحو الالتزام بالقيم والتعاليم الدينية منذ الصغر. فقد روي عن النبي قوله: (علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً وفرقوا بينهم في المضاجع) وذلك من أجل الالتزام بالواجبات الدينية منذ مرحلة الطفولة حتى يشب عليها عندما يكون قد بلغ مرحلة التكليف الشرعي.
إن تعليم الطفل على الصلاة والصيام، وكذلك تربيته على الآداب والأخلاق الفاضلة منذ الصغر هو أفضل أسلوب لتهذيب نفسه، وتزكية روحه، وبناء شخصيته.
2- تعويد الطفل على العادات الحسنة:
يجب تعويد الطفل على العادات الحسنة حتى تكون جزءاً من شخصيته العامة، والعادات الحسنة كثيرة كالالتزام بالمواعيد، واحترام الكبار، والصدق في الحديث، والاهتمام بالنظافة، والتعود علــى القراءة والمطالعة... الخ.
و من العادات الحسنة أيضاً إفشاء السلام، وقد كان نبينا يسلم على الجميع بما فيهم الأطفال، فعن أنس بن مالك قال: (إن رسول الله مَرَّعلى صبيان فسلّم عليهم وهو مغذٍ) .
وذكر بعضهم في تعداد صفات النبي: (إنه كان يسلم على الصغير والكبير) وعن الإمام الصادق عن آبائه عن النبي قال: (خمس لست بتاركهن حتى الممات... وتسليمي على الصبيان لتكون سنة من بعدي) .
و لبدء الطفل بالسلام أثران نفسيان: فهو يقوي في نفس المسلم صفة التواضع وخصلة الخلق الفاضل، ويحيي في الطفل الشخصية الرصينة والإرادة المستقلة. إذ أن الطفل الذي يجد الكبار يسلمون عليه ويحترمونه بهذا الأسلوب يصدق بكفاءته وأهليته للاحترام، ويطمئن منذ الصغر إلى أن المجتمع يعتبره إنساناً ويعيره الناس اهتماماً لا بأس به.
فعلى الراغبين في اتباع سنة الرسول الأعظم أن يبدأوا الأطفال بالسلام، كي يركّزوا في نفوسهم خصلة التواضع، ويحيوا شخصيات الأطفال ويدفعوهم إلى طريق التربية السليمة.وإذا سَلَّم الطفل على الكبار فعليهم أن يردوا سلامه حتى يشعر بالتقدير والاحترام، ويلتزم الطفل منذ صغره به، إذ هو أحد السنن المؤكدة في أخلاقيات الإسلام.
ومن الخطأ الفاحش تجاهل رد السلام على الطفل -كما يحدث أحياناً- لأن ذلك يزرع في شخصيته الشعور بالمهانة والدونية والاحتقار.
وتعويد الطفل على العادات الحسنة يجعله يتعود عليها حتى عندما يكبر، فمن الصعب على الإنسان أن يترك أية عادة قد تعود عليها منذ نعومة أظفاره، وهذا يحقق له شخصية محترمة وناجحة عندما يصبح شاباً. أما عندما يتعود الطفل على العادات السيئة فإنه سوف يشب عليها، وتتحول إلى جزء من شخصيته، وهذا مايؤدي به إلى الفشل وربما التعاسة والشقاء في حياته.
3- توفير الدفء العاطفي:
يحتاج الطفل إلى الحب والعطف والحنان من والديه كما يحتاج إلى الطعام والشراب، فالغذاء العاطفي (الحب والعطف والحنان) ضروري جداً لبناء شخصية سوية غير مضطربة ولا قلقة؛ فالطفل الذي يتلقى الحب والعطف والحنان يشعر براحة نفسية وتكامل في الشخصية، في حين أن من يفقد الحب والعطف يصاب بعقد نفسية خطيرة.
فقد قال رسول الله: (أحبوا الصبيان وارحموهم) وعنه أيضاً قال: (من قبَّل ولده كتب الله عز وجل له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة)
وروي أن رسول الله - لما قبل الحسن والحسين فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت واحداً منهم -: ما عليَّ إن نزع الله الرحمة منك!
وروي: كان رسول الله يقبل الحسن والحسين فقال عيينة - وفي رواية غيره: الأقرع بن حابس -: إن لي عشرة ما قبلت واحداً منهم قط، فقال: من لا يرحم لا يرحم. وفي رواية حفص الفراء: فغضب رسول الله حتى التمع لونه وقال للرجل: إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك فما أصنع بك! من لم يرحم صغيرنا ولم يعزز كبيرنا فليس منا.
ويعلمنا النبي أيضاً أهمية توفير الدفء العاطفي للأطفال،فقد روى الليث بن سعد: أن النبي كان يصلي يوماً في فئة والحسين صغير بالقرب منه وكان النبي إذا سجد جاء الحسين فركب ظهره ثم حرك رجليه وقال: حل حل، وإذا أراد رسول الله أن يرفع رأسه أخذه فوضعه إلى جانبه فإذا سجد عاد على ظهره وقال: حل حل، فلم يزل يفعل ذلك حتى فرغ النبي من صلاته فقال يهودي: يا محمد إنكم لتفعلون بالصبيان شيئاً ما نفعله نحن، فقال النبي: أما لو كنتم تؤمنون بالله وبرسوله لرحمتم الصبيان، قال فإني أؤمن بالله وبرسوله، فأسلم لما رأى كرمه من عظم قدره.
ومن عطف النبي على الأطفال أنه كان يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة، أو يسميه، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمة لأهله، فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول فيقول لا تزرموا بالصبي فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته ويبلغ سرور أهله فيه ولا يرون أنه يتأذى ببول صبيهم فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده.
وهذا يدل على أهمية توفير الحب والعطف والحنان للأطفال، إذ أن لذلك أثراً بالغاً في تكامل شخصية الطفل، وفي زيادة الثقة بالنفس، وفي تفتح القدرات العقلية ونموها، وفي خلق التوازن في نفسية الطفل، واستقرار الحالة الأخلاقية لديه.
وإذا كان الحب والعطف ضرورياً لنمو روح الطفل وتكامل شخصيته، إلا أن الإفراط فيه له أضـرار كثيرة على الطفل؛ من أهمها الإعجاب الزائد بالنفس، وتزايد حالة الغرور، وعدم القدرة على تحمل المسؤوليات، والتصرف بميوعة غير لائقة... الخ.
والمطلوب هو التوازن في الحب والعطف والحنان، فالنقص في تغذية الطفل بذلك كزيادته مــضر بشخصيته، فلا شيء كالاعتدال في الحب والعطف والحنان يساهم في تحقيق التربية المتوازنة في حياة الطفل.
4- التربية المتوازنة:
تحتاج التربية السليمة إلى التوازن الدقيق في التعامل مع الأطفال، فالقسوة الشديدة على الأطفال كما الليونة المفرطة لها أضرار جسيمة على مستقبل الأطفال وبناء شخصياتهم.
((وقد دلت الإحصائيات على أن عدداً كبيراً من المجرمين ينتمون إلى بيوت كانت القسوة فيها هي القانون المعمول به، وكان الضرب وإلحاق الأذى هو الوسيلة التربوية))
وقد نهى النبي عن التعامل مع الأطفال بالقسوة والشدة، فقد روي عن أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب وهي مرضعة الحسين قالت: أخذ مني رسول الله حسيناً أيام رضاعه، فحمله فأراق ماء على ثوبه، فأخذته بعنف حتى بكى، فقال: (مهلاً يا أم الفضل إن هذه الإراقة الماء يطهرها، فأي شيء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين ).
إذ أن الكبح ليس هو الطريقة الصحيحة لتربية الطفل فإنه يؤدي إلى إثارة القلق في نفس الطفل الـذي هو من أقسى ألوان الصراع النفسي.. إن عقاب الطفل لا يؤدي - على الأكثر - إلى تعديل سلوكه، وإنما يؤدي إلى أضرار جسيمة.
إن أحسن وسيلة لتربية الطفل هي التربية المهذبة الهادئة فإنها تؤدي إلى سلامة صحته الجسمية والعقلية.
ومن الضروري أيضاً الابتعاد عن الليونة المفرطة فإنها لا تقل خطراً عن القسوة الشديدة لأنها تؤدي إلى تنشئة الطفل على عدم الإحساس بالمسؤولية، وعدم التقيد بأية ضوابط أو معايير قيمية أو أخلاقية،وعدم الاكتراث بحقوق الآخرين، وضعف الاعتماد على الذات.
أما القسوة الشديدة فإن أخطارها واضحة حيث تؤدي بالطفل إلى التصرف بخشونة وغلظة، والإصابة بالأمراض والعقد النفسية، كما قد تؤدي إلى ارتكاب أعمال إجرامية.
وأفضل وسيلة للتربية السليمة هو التربية على قاعدة (حزم بلين).
5- احترام شخصية الطفل:
إن احترام شخصية الطفل تكرس لديه الثقة بالنفس، والشعور بالراحة، وتنمي مواهبه القيادية؛ في حين أن التعامل مع الطفل باستخفاف،والتقليل من مكانته، واعتباره مجرد جاهل لا يفهم شيئاً،يؤدي بالطفل إلى العقد النفسية، و الإصابة بالاضطراب والقلق، والشعور بالنقص والدونية.
وقد كان النبي على عظمته ومكانته الرفيعة يحترم الأطفال كي يزرع في شخصياتهم الثقة بالنفس،وتنمية ذواتهم، فقد روي عن أبي عبد الله قال: عطس غلام لم يبلغ الحلم عند النبي فقال: الحمد لله، فقال له النبي: بارك الله فيك.
ويتجلى موقف النبي باحترام وتكريم الأطفال في قراءة الرواية التالية: عن انس، و عبد الله بن شيبة عن أبيه: أنه دعي النبي إلى صلاة والحسن متعلق به، فوضعه النبي مقابل جنبه وصلى، فلما سجد أطال السجود فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن على كتف رسول الله فلما سلم قال له القوم: يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها كأنما يوحى إليك فقال: لم يوَح إليَّ ولكن ابني كان على كتفي فكرهت أن أعجله حتى نزل، وفي رواية عبد الله بن شداد أنه قال: (إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته) لقد كان أطفال الناس أيضاً يحوزون احتراماً وتكريماً من قائد الإسلام العظيم، وكان يبذل لهم من العناية بمشاعرهم الروحية وعواطفهم ما يبذله لأولاده. عن أبي عبد الله أنه قال: صلى رسول الله بالناس الظهر، فخفف في الركعتين الأخيرتين، فلما انصرف، قال له الناس: هل حدثَ في الصلاة حدث؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: خففت في الركعتين الأخيرتين، فقال لهم: أما سمعتم صراخ الصبي؟!
وهكذا نجد النبي العظيم يطيل في سجدته تكريماً للطفل تارة، ويخفّف في صلاته تكريماً للطفل أيضاً تارة أخرى، وهو في كلتا الصورتين يريد التأكيد على احترام شخصية الصبي وتعليم المسلمين طريق ذلك.
ومما سبق من السيرة النبوية في تعامل النبي مع الأطفال يتضح لنا أن من الأساليب المهمة في التربية هو التعامل مع الطفل كإنسان له مشاعر وعواطف وأحاسيس، ومن ثم يجب احترام شخصية الطفل، لأن ذلك يساهم في رسم شخصيته في المستقبل. أما التعامل معه من دون أي اعتبار لمشاعره وعواطفه فإن ذلك يؤدي إلى إيجاد أطفال معقدين ومضطربين نفسياً وعقلياً، وهذا له مخاطر جسيمة على الأطفال أنفسهم وعلى المجتمع أيضاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ملاحظة: يمكنكم الاستماع للمحاضرة من خلال الرابط التالي:
http://www.alyousif.org/sound/30.wma
29/2/1426