أمر الله سبحانه وتعالى في غير موضع من القرآن الكريم بالوحدة والاتحاد والتوحد، ونهى عن التفرق والشقاق والتنازع، كما في قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾[1] ، فالتمسك بحبل الله المتين -والذي هو دينه وقرآنه وعترة نبيه- يؤدي إلى الوحدة والتوحد؛ وهي مصدر قوة ومنعة وعزة وتوفيق ونجاح، وأما التفرق والتنازع فهي مصدر ضعف وخوار وهوان وفشل.
ولذلك نهى القرآن الكريم عن التنازع والتخاصم كما في قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾[2] ، فالتنازع يؤدي إلى الفشل وذهاب القوة والعزة والمنعة، وأما الاتحاد والتوحد فيؤدي إلى النجاح.
ومع دخول موسم (عاشوراء الحسين ) علينا أن نتوحد تحت رايته الشريفة، فالتمسك بنهج الإمام الحسين أحد مصاديق حبل الله الذي يؤدي إلى توحيد صفوف المؤمنين، وهو ما ينتج النجاح والخير والصلاح.
حتى يتحقق التوحد والاتحاد والوحدة الاجتماعية تحت راية الإمام الحسين ينبغي العمل وفق الأمور التالية:
1- الالتفاف حول أهداف النهضة الحسينية:
أحد أهم الأمور التي يجب أن توحد المؤمنين هو الالتفاف حول أهداف الإمام الحسين من نهضته المباركة التي أعلنها بنفسه قائلاً: «وَأَنّي لَمْ أَخْرُجْ أشِراً، وَلا بَطِراً، وَلا مُفْسِداً، وَلا ظالِماً، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الاِْصْلاحِ في أُمَّةِ جَدّي ، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأبي عَليِّ بْنِ أَبي طالِب ( عليهما السلام )، فَمَنْ قَبِلَني بِقَبُولِ الْحَقِّ فَاللهُ أَوْلى بِالْحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هذا أَصْبِرُ حَتّى يَقْضِيَ اللهُ بَيْني وَبَيْنَ الْقَومِ بِالْحَقِّ، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمينَ»[3] ، فالإمام إنما ثار واستشهد من أجل الإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتطبيق أحكام الإسلام.
والالتفاف حول هذه الأهداف العظيمة التي نادى بها الإمام الحسين هو الطريق نحو التوحد والاتحاد والوحدة، فعادة ما يتفق العقلاء على الأهداف الكبرى ولكنهم قد يختلفون حول الأهداف الصغيرة والبسيطة.
ولا يصح أن ننسى هذه الأهداف الكبرى للنهضة الحسينية المباركة ونتشبث بأمور هامشية أو نختزل نهضته العظيمة في قضايا سطحية بسيطة مما يؤدي إلى خلق الشقاق والتفرق والتنازع بين المؤمنين.
2- تجنب ما يثير الخلاف والشقاق:
موسم عاشوراء الحسين فرصة لإعلان الوحدة الاجتماعية بين مختلف المكونات والتوجهات والتيارات الاجتماعية المتغايرة، والتركيز على ما يجمع المؤمنين وهي كثيرة وكثيرة، وتجنب ما يثير الخلاف والشقاق والنزاع؛ لأن المحصلة النهاية لذلك هو فشل الجميع، ولذلك قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، وأما التوحد فينتج عنه نجاح الجميع.
ووجود خلافات علمية بين الفقهاء وأهل العلم في بعض المسائل المرتبطة بالشعائر الحسينية أو فيما يرتبط بالنهضة الحسينية، أو تفاصيل الملحمة الحسينية أمر طبيعي وموجود على طول التاريخ الإسلامي، ومحلها الحوزات العلمية ومجالس العلماء ومدارستهم والكتب العلمية الرصينة؛ وليس محلها مواقع التواصل الاجتماعي، وما يحدث فيها من التراشق الكلامي بين أناس ليسوا من أهل الاختصاص العلمي في مسائل تتطلب الدقة العلمية والاستدلال العلمي.
وما نراه مع بداية محرم من كل عام من تراشق في الكلام، واستخدام كلمات التجريح والسباب والشتائم شيء مؤلم ومحزن، ولا يرضاه الإمام الحسين لشيعته ومحبيه وأتباعه، ثم إنه لا يؤدي إلى نتيجة سوى زرع الأحقاد والضغائن بين المؤمنين، وقد قال أمير المؤمنين : «سَبَبُ الفِتَنِ الحِقدُ»[4] ، فانتشار الأحقاد يؤدي إلى توليد الفتن بين الناس.
والصحيح أن نترك المسائل العلمية محل الخلاف لأهل الفقه والعلم، إذ لكل فقيه دليله ومنطقه العلمي ومنهجه في الاستدلال، ونركز على ما يجمع بين المؤمنين، ونترك ما يثير النزاع والشقاق والفرقة، ونتعاون فيما نتفق عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف حوله.
وأما الاختلاف الناتج من غير علم فيؤدي إلى التفرق والفرقة والنزاع، يقول أمير المؤمنين : «سَبَبُ الفُرقَةِ الاختِلافُ»[5] ، كما أن اتباع الهوى والمزاج يؤدي إلى فساد دين المتدين، إذ يشير أمير المؤمنين إلى ذلك في قوله: «سَبَبُ فَسادِ الدِّينِ الهَوى»[6] .
3- أن يكون الخطاب الحسيني موحداً:
يتحمل الخطباء الكرام مسؤولية كبيرة في حث الناس على الوحدة والاتحاد والاجتماع، وتجنب ما يؤدي إلى الخلاف والشقاق والنزاع، فالخطاب الحسيني -وخصوصاً أيام عاشوراء- يجب أن يكون موحداً لا مفرقاً، وجامعاً لا مشتتاً، ومقوياً لا مضعفاً.
فالمنبر الحسيني يجب أن يكون منطلقاً لتعزيز روح الوحدة بين المؤمنين، والتركيز على نقاط الاتفاق والاجتماع، وأهمها الاتفاق على نهج الإمام الحسين ومنهاجه، والانضواء جميعاً تحت رايته الشريفة، والركوب جميعاً في سفينته الواسعة، فإنها تتسع لجميع المؤمنين.
4- عدم تصنيف المجالس الحسينية:
المجالس والمآتم الحسينية كلها تعقد باسم الإمام الحسين ، ويجب أن تكون كذلك بعيداً عن أي تصنيف آخر.
والحسينيات التي مفردها حسينية مشتقه اسمها من اسم (الإمام الحسين )، ولذلك يجب أن تسير على نهج ومنهاج الإمام الحسين قولاً وفعلاً وسلوكاً وأن تكون متحدة ومجتمعة تحت رايته الشريفة.
ومن الخطأ أن نطلق تصنيفات أخرى على المآتم الحسينية بأن نطلق وصف أن هذه الحسينية تبع جماعة فلان أو جماعة علان ونقصد بذلك تصنيفها فئوياً أو تيارياً أو جهوياً، وهو الأمر الذي يخلق حواجز بين المؤمنين يمنعهم من الذهاب لتلك الحسينية أو الاستماع لذلك الخطيب إذا كان ذلك الوصف من منطلق جهوي أو تباري أو فئوي، فالحسينيات ينبغي أن تكون كلها تحت راية الإمام الحسين لا غير، وكل حسينية هي بيت من بيوت الإمام الحسين ، وبالتالي يجب أن تكون مفتوحة للجميع، ولا يصح إغلاقها بوجه أحد من المؤمنين من دون وجه شرعي.
والإمام الحسين الذي نحبه جميعاً، ونعشقه بكل وجودنا وعواطفنا ومشاعرنا، يجب أن يلتف جميعنا حول رايته الشريفة لنعلن التوحد والوحدة والاجتماع في أيام عاشوراء، بل وفي كل وقت، وندع كل ما يثير الحساسيات والضغائن والأحقاد حتى نعبر بصدق عن حبنا للإمام وعشقه.