المرأة والعمل التطوعي
الشيخ عبدالله اليوسف - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
لا يخفى على عاقل أهمية العمل التطوعي وفوائده ومكتسباته الإيجابية على الفرد والمجتمع والأمة ، ولكي يكون العمل التطوعي فاعلاً ومؤثراً يستلزم أن يشارك الجميع في تنمية وإنماء العمل التطوعي والخيري ، وأن لا يقتصر على شريحة دون أخرى ، أو جنس دون آخر ، بل يجب أن يشارك كل فرد في العمل الخيري والتطوعي بما يستطيع ، وبما هو متاح .
والمرأة ـ كما الرجل ـ عليها أن تساهم في إنماء عملية التطوع في الأعمال الخيرية ، وأن يكون لها دور فاعل وملموس في دفع عجلة التطور الاجتماعي يقول الله تعالى :(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(1)
ويمكن للمرأة في مجتمعنا أن تقوم بالكثير من الأعمال التطوعية والخيرية على اختلافها وأشكالها ، كالمشاركة في التعليم التطوعي ، والتمريض ، والتثقيف ، ومساعدة الأسر المحتاجة ، وحل مشكلات الفتيات ، والاهتمام بقضايا المرأة .
وقد أصبح للمرأة مشاركة واضحة في مثل هذه الأعمال التطوعية ، ويمكن لها أن تساهم بصورة أكبر من خلال المبادرة في فعل الخير ، والشعور بالمسؤولية الدينية والاجتماعية والوطنية، وتطوير المهارات ، وتنمية المواهب ، وإنماء الثقة بالنفس ، والممارسة الفعلية في العمل التطوعي .
ويمكن القول بأن هناك بعض مجالات العمل التطوعي الذي يتناسب و مهارات المرأة وطبيعة أنوثتها ، كما توجد مجالات لايصلح للقيام بها إلا الرجل ، بينما توجد مجالات للعمل التطوعي يمكن لكل من الرجل والمرأة المساهمة فيها .
ولعله من أهم مجالات العمل التطوعي الذي يتناسب مع طبيعة المرأة هو القيام برعاية الأيتام الصغار من الناحية السيكولوجية والعاطفية ، والتعرف على مشكلات الفتاة المعاصرة، والعمل على حل ما تعانيه المرأة من هموم وقضايا في الشؤون الخاصة بها ...وغير ذلك كثير .
وللموروث الديني والثقافي دور محفز في الانخراط في العمل التطوعي إذ يختزن الموروث الديني والثقافي الكثير من القيم الاجتماعية والثقافية الايجابية كالتكافل والتعاون والتراحم والتزاور ، وكالبر والإحسان ، وكالإنفاق والبذل والعطاء .. وكل هذه القيم والتعاليم الدينية تحفز الرجل والمرأة -على حد سواء- على التفاني والتضحية بالوقت والمال من أجل خدمة الناس ، وتقدم المجتمع .
أسماء لامعة
في تاريخنا الإسلامي نجد الكثير من النماذج المشرقة التي ساهمت فيها المرأة المسلمة في الأعمال التطوعية والخيرية ... ونشير إلى الأسماء اللامعة التالية :
1ـ خديجة بنت خويلد :
كانت خديجة بنت خويلد من أثرى أهل زمانها ، وكانت أول زوجة تزوجها رسول الله ، ولم يتزوج عليها أحداً في حياتها ، وقد بذلت في سبيل الإسلام كل مالديها من مال وأنفقته في سبيل الله ، وجعلته تحت تصرف النبي .
يروي التاريخ ، أن خديجة قالت لابن عمها ( ورقة بن نوفل ) : أعلن بأن جميع ما تحت يدي من مال وعبيد فقد وهبته لمحمد يتصرف فيه كيف شاء، فوقف ورقة بين زمزم والمقام ونادي بأعلى صوته يا معاشر العرب ، إن خديجة تشهدكم على أنها وهبت لمحمد نفسها ، ومالها ، وعبيدها ، وجميع ما تملكه يمينها ، إجلالاً له ، وإعظاماً لمقامه ، ورغبة فيه .(2)
وهكذا بذلت خديجة كل ما لديها من أموال وعبيد وأملاك في سبيل نصرة الدين ، ونشر راية الإسلام خفاقة في أرجاء الجزيرة العربية وما حولها . حتى قال عنها الرسول : (( وواستني في مالها إذ حرمني الناس ))(3) فقد بذلت كل ما تملك في مؤازرة الرسول الأعظم ونشر الدعوة الإسلامية .
2ـ أم عطية :
شاركت الصحابية المشهورة ( أم عطية نسيبة الأنصارية ) في سبع غزوات مع رسول الله ، وكان دورها التطوعي هو إعداد الطعام للمقاتلين ، وتضميد الجرحى ، ومساعدة المرضى . قالت أم عطية : ( غزوت مع رسول الله سبع غزوات أخلفهم في رجالهم ، فأصنع لهم الطعام ، وأداوي الجرحى ، وأقوم على المرضى )(4) .
وبذلك ضربت ( أم عطية ) أروع الأمثلة على ما يمكن للمرأة المسلمة القيام به من أعمال تطوعية حتى في أصعب الظروف كحالة الحرب والقتال .
3ـ أم عمارة :
جسدت ( أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية ) دور المرأة المسلمة الهام في العمل التطوعي ، إذ كانت تخرج مع المسلمين في غزواتهم لتزويدهم بالمياه ، وتضميد الجرحى، بل أنها قاتلت مع النبي في غزوة أحد للدفاع عن رسول الله كما هو مذكور في كتب التاريخ(5) .
وبذلك أعطت ( أم عمارة ) مثالاً رائعاً لما يمكن أن تقوم به المرأة المسلمة من أعمال تطوعية حتى في أوقات الشدة والعسر فضلاً عن أوقات الرخاء واليسر .
إن على كل امرأة مسلمة في عصرنا أن تقتدي بمثل هذه النماذج المضيئة من سيرة النساء المؤمنات ، وكيف تطوعن للأعمال الخيرية ، وكيف استثمرت كل واحدة منهن ما لديها من مواهب وقدرات وإمكانات في فعل ما يمكن فعله في مجال الأعمال التطوعية .
فلتساهم كل امرأة بما يمكنها في تنمية مسيرة العمل التطوعي في المجتمع ، ولا تستقل أي عمل تطوعي فيه خدمة للناس ، فالبحر إنما يتكون من قطرات متجمعة، فلو أن كل فرد من أفراد المجتمع ساهم بما يستطيع في مجال الأعمال الخيرية فإن النتيجة ستكون مذهلة ورائعة.

الهوامش :
1ـ سورة النحل الآية 97.
2ـ أعلام النساء ، علي محمد علي دخيل ، دار الهادي ، بيروت ـ لبنان ، الطبعة الأولى 1422هـ ـ 2001م ، ص20.
3ـ أعلام النساء ، علي محمد علي دخيل ، ، ص22.
4ـ صحيح مسلم ، أبوالحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري ، المكتبة العصرية ، بيروت ـ لبنان ، طبع عام 1423هـ 2002م ،ص707 ، رقم 4690. وقد ورد عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله يغزو بأم سليم ، ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ، ويداوين الجرحى . انظر صحيح مسلم ، رقم الحديث 4682.
5ـ انظر السيرة النبوية ، ابن هشام ، المكتبة العصرية ، بيروت ـ لبنان ، طبع عام 1423هـ ـ 2002م ، ج3، ص75.

1/5/1426
اضف هذا الموضوع الى: