عُرف الإمام محمد ين علي الجواد بالسخاء والعطاء والكرم، حتى اشتهر بلقب (الجواد) لكثرة كرمه وجوده وسخائه وعطائه، فكان عندما يطلق لقب (الجواد) ينصرف إليه دون غيره.
ومعنى الجواد في اللغة هو كثير العطاء، وهو الرجل السخي والكريم، ومن يعطي من غير سؤال، وقد جسّد الإمام الجواد ذلك في سيرته العملية، فكان يعطي الفقراء من غير سؤال، وينفق بسخاء إنفاق من لا يخشى الفقر، وكان في منتهى الكرم والسخاء والجود.
وقد ورد الحث على التحلي بصفة الجود والكرم، فقد قال الإمامُ عليٌّ عليه السلام: «جُودوا في اللَّهِ وجاهِدوا أنفسَكُم على طاعَتِهِ يعْظمْ لكُمُ الجَزاء ويحسن لكُمُ الْحَباء»[1] . وعنه عليه السلام قال: «جُدْ بِما تَجِدُ تُحْمَدْ»[2] . وعنه عليه السلام قال: «الجُودُ عِزٌّ مَوجودٌ »[3] . وقال الإمامُ الحسينُ عليه السلام: «مَن جادَ سادَ»[4] .
سجلت لنا كتب السيرة والتاريخ بعض الشواهد والنوادر من جود وكرم وسخاء الإمام الجواد ، نذكر منها الأمثلة الآتية:
1- الوقوف مع المحتاجين:
روى المؤرخون أن أحمد بن حديد خرج مع جماعة من أصحابه إلى الحجّ فهجمت عليهم عصابة من السرَّاق فنهبوا جميع ما عندهم من أموال ومتاع، ولما انتهوا إلى المدينة انطلق أحمد إلى الإمام الجواد وعرّفه بما جرى عليهم، فأمر له بكسوة وأعطاه أموالاً يفرقها على جماعته، فكانت بقدر ما نهب منهم[5] .
وبهذا حلّ الإمام الجواد مشكلتهم، خصوصاً وأنهم كانوا غرباء عن بلادهم، والمسافر يكون في مشكلة كبيرة عندما يفقد متاعه وماله وهو ليس في بلده، لكن الإمام وقف إلى جانبهم، وعوض لهم كل ما فقدوه في سفرهم.
2- الإحسان إلى الناس:
الإحسان إلى الناس، وقضاء حوائجهم، والوقوف إلى جانبهم من أبرز صفات الإمام الجواد ، وقد ذكر لنا التاريخ هذه القصة المعبرة عن تلك السجايا البارزة في شخصية الإمام الجواد ، إذ روى أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهالي بست وسجستان قال: رافقت أبا جعفر في السنة التي حج فيها في أول خلافة المعتصم، فقلت له وأنا معه على المائدة وهناك جماعة من أولياء السلطان: إن والينا جعلت فداك رجل يتولاكم أهل البيت ويحبكم وعليّ في ديوانه خراج، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالإحسان إليّ.
فقال: لا أعرفه.
فقلت: جعلت فداك إنه على ما قلت من محبيكم أهل البيت وكتابك ينفعني عنده. فأخذ القرطاس وكتب:
«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فإن موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً وإن مالك من عملك إلا ما أحسنت فيه، فأحسن إلى إخوانك، واعلم أن الله عز وجل سائلك عن مثاقيل الذرة والخردل».
قال: فلما وردت سجستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد الله النيشابوري وهو الوالي فاستقبلني على فرسخين من المدينة، فدفعت إليه الكتاب فقبله ووضعه على عينيه، وقال لي: حاجتك؟ فقلت: خراج عليّ في ديوانك قال: فأمر بطرحه عني وقال: لا تؤدِ خراجاً ما دام لي عمل، ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم، فأمر لي ولهم بما يقوتنا وفضلاً، فما أديت في عمله خراجاً ما دام حياً، ولا قطع عني صلته حتى مات[6] .
وقد تحقق كل ذلك له ببركة الإمام الجواد ولطفه وإحسانه إليه، فلولا رسالته إلى الوالي لما تحقق له كل ذلك.
3- الجارية والقصر والضيعة لك:
روى العتبي أن بعض العلويين كان يهوى جارية في المدينة، وكانت يده قاصرة عن ثمنها، فشكا ذلك إلى الإمام الجواد، فسأله عن صاحبها فأخبره عنه، وقام الإمام فاشترى الضيعة والجارية من صاحبها وانطلق العلوي فسأل عن الجارية فأخبر أنها بيعت ولا يعرفون من اشتراها سراً، ففزع العلوي نحو الإمام وقد رفع صوته: بيعت فلانة.
فقابله الإمام ببسمات فياضة بالبشر قائلاً: «هل تدري من اشتراها؟».
- لا.
وانطلق الإمام معه نحو الضيعة التي فيها الجارية، وأمره الإمام بالدخول إليها، فامتنع لأنه لا يعرف صاحبها، وأصر عليه الإمام فأجابه إلى ذلك، ولما دخل الدار وجد الجارية فقال له الإمام: «أتعرفها؟»
- نعم.
وعرف العلوي أن الإمام قد اشتراها، فقال له: «هي لك والقصر والضيعة والغلة وجميع ما في القصر من متاع»، وطار العلوي فرحاً، وحار في شكره للإمام[7] .
4- توزيع مليون درهم سنوياً على الفقراء:
نقل الصفدي: «إن الإمام الجواد كان في كل سنة يوزع في المدينة المنورة أكثر من ألف ألف درهم»[8] .
وهذه النماذج والشواهد من كرم وجود الإمام الجواد ، وكثرة عطائه، وإحسانه إلى الناس، والسعي في قضاء حوائجهم، وإدخال السرور والسعادة في قلوبهم... تشير إلى دلالة إطلاق لقب (الجواد) عليه؛ واشتهاره بهذا اللقب، فقد كان الإمام الجواد ينفق بسخاء، ويعطي من غير سؤال، ويساعد كل محتاج وفقير، وكان يعطي من لا يرجو، وهذا هو أجود الناس كما قال الإمامُ الحسينُ عليه السلام: «إنّ أجْوَدَ النّاسِ مَن أعطى مَن لا يَرجو »[9] .
إن على كل مؤمن الاقتداء والتأسي بهذا الإمام العظيم في سيرته المباركة وأخلاقياته الرفيعة، ومنها التحلي بهذه الصفة الأخلاقية الجميلة، وهي صفة السخاء والكرم والجود، حيث أعطى دروساً في كثرة العطاء والسخاء والكرم، وتجنب البخل والشح، فالإنسان الجواد محبوب في الدنيا، ومسعود في الآخرة، بينما البخيل مبغوض في الدنيا، وخاسر في الآخرة. وهذا ما أشار إليه الإمام علي عليه السلام بقوله: «الجَوادُ في الدُّنيا مَحمودٌ، وفي الآخِرَةِ مَسعودٌ»[10] . وقوله عليه السلام: «جُودُ الرّجُلِ يُحَبّبُهُ إلى أضْدادِهِ، وبُخْلُهُ يُبَغِّضُهُ إلى أولادِهِ »[11] . فالرجل السخي والكريم يكون محمود الذكر في الدنيا ومحبوب عند الله وعند الناس؛ بينما البخيل يكون مبغوضاً حتى من زوجه وأهله وأولاده فضلاً عن عامة الناس.
ونختم بما نسب إلى الإمام الحسين عليه السلام من شعر - وهو يحث على الجود والسخاء- قائلاً:
إذا جادتِ الدُّنيا عليكَ فجُدْ بها على النّاسِ طُرّاً قبلَ أن تَتَفلَّتِ
فلا الجُودُ يُفْنيها إذا هِي أقْبَلَتْ ولا البُخلُ يُبْقيها إذا ما تَوَلَّتِ[12]
[1] غرر الحكم: 4733.
[2] غرر الحكم: 4716.
[3] غرر الحكم: 330.
[4] كشف الغمّة: 2/ 242.
[5] انظر بحار الأنوار، ج 50، ص 44، رقم 13.
[6] بحار الأنوار، ج50، ص 86 – 87، رقم2.
[7] نفحات من سيرة أئمة أهل البيت، ص 308 – 309.
[8] الوافي بالوفيات، الصفدي، دار إحياء التراث، بيروت، طبع عام 1420هـ، ج 4، ص 79.
[9] كشف الغمّة: 2/ 242.
[10] غرر الحكم: 2152.
[11] غرر الحكم: 4729.
[12]) المناقب لابن شهرآشوب: 4/ 66.