موضحاً أن الإمام الصادق (ع) رسم للأمة ثقافة الحياة
الشيخ اليوسف يدعو الشباب إلى حيازة مفاتيح جودة الحياة
سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أثناء إلقاء الخطبة
سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أثناء إلقاء الخطبة

تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة 24 ربيع الأول 1441 هـ الموافق 22 نوفمبر 2019م عن (مفهوم جودة الحياة)، وأهمية حيازة وامتلاك المفاتيح التي تساهم في تجويد الحياة وتحسينها؛ معتبراً أن الإمام الصادق رسم للأمة من خلال وصاياه وتعاليمه ثقافة الحياة.

وأضاف: من المفاهيم التي تحظى بأهمية كبيرة دراسة وبحثاً واهتماماً في القرن الواحد والعشرين هو مفهوم جودة الحياة، ويعد هذا المفهوم من البحوث الأسرع نمواً في مجال الطب النفسي في العالم المعاصر، كما يعتبر مقياساً لمستوى رفاهية الأفراد والمجتمعات الإنسانية، وشعورهم بالسعادة والرضا عن حياتهم، والقدرة على التعايش مع مجتمعاتهم المتغايرة.

وقال: إن الشعور بالرضا والسعادة، وإعلاء القيم الروحية والأخلاقية، وتبادل مشاعر المحبة والمودة، ووجود الأمل، ونمو الثقافة تمثل جميعها دافعاً قوياً لتحقيق جودة الحياة وتحسينها في حياة الأفراد والمجتمعات معاً.

ثم تطرق سماحة الشيخ اليوسف إلى بعض مفاتيح جودة الحياة التي أشار إليها الإمام جعفر الصادق في وصاياه وإرشاداته وتعاليمه القيمة لأصحابه قائلاً: عندما نقرأ تراث هذا الإمام العظيم – وهو تراث ضخم للغاية – سنجد فيه إشارات مهمة لامتلاك مفاتيح جودة الحياة، ومن خلالها يمكن التمتع بتجويد الحياة، والعيش بكرامة ورفاهية وسعادة.

واعتبر أن المفتاح الأول لجودة الحياة هو تحلي الإنسان بالقيم الروحية والمعنوية والأخلاقية، لأن هذه القيم تجعل المرء يشعر بالرضا والسعادة، فلا شيء كالدين قادر على خلق الاطمئنان والسكينة الداخلية، بينما القيم المادية لوحدها غير قادرة على صناعة السعادة، وتجويد الحياة.

وبيّن أن المفتاح الثاني لجودة الحياة هو امتلاك العلم، فمن يملك العلم يملك الحياة، فالعلم هو طريق التقدم والرقي، ولذلك حثّ الإمام الصادق الشباب على طلب العلم، وقال: «لَستُ اُحِبُّ أن أرى‏ الشّابَّ مِنكُم إلّا غادياً في حالَينِ: إمّا عالِماً أو مُتَعَلِّماً، فإن لَم يَفعَلْ فَرَّطَ، فإن فَرَّطَ ضَيَّعَ، وإنْ ضَيَّعَ أثِمَ».

وأضاف: إن أفضل فرصة لكسب العلم عندما يكون الإنسان في مرحلة الشباب، فهي المرحلة التي يتم فيها تكوين شخصية الإنسان ورسم معالم مستقبله.

 وتابع: ولأهمية العلم في حياة المجتمعات الإنسانية، وصناعة الرقي والتقدم والازدهار، وحيازة (جودة الحياة) دعا الإمام الصّادق أصحابه ومحبيه إلى طلب العلم مهما كانت المشاق والمصاعب في سبيل تحصيله، حيث قال : «اطلُبوا التَّعَلُّمَ ولَو بِخَوضِ اللُّجَجِ وشَقِّ المُهَجِ» . وقال: «لَو عَلِمَ النّاسُ ما في طَلَبِ العِلمِ لَطَلَبوهُ ولَو بِسَفكِ المُهَجِ وخَوضِ اللُّجَجِ».   
 
واعتبر أن العلم هو أصل كل شيء، وهو أشرف وأرفع منزلة من غيره، كما أشار إلى ذلك الإمام الصّادق بقوله: «العِلمُ أصلُ كُلِّ حالٍ سَنِيٍّ، ومُنتَهى‏ كُلِّ مَنزِلَةٍ رَفيعَةٍ».

ودعا الشباب ألا يتوقفوا عند مرحلة من مراحل طلب العلم، فالعلم لا نهاية ولا حدّ له، حيث قال الإمام الصّادق : «مَنهومانِ لا يَشبَعانِ: مَنهومُ عِلمٍ، ومَنهومُ مالٍ».

وقال سماحة الشيخ اليوسف أن سعة الرزق هو المفتاح الثالث من مفاتيح جودة الحياة، ومما يوجب ذلك الانخراط في الأعمال التجارية المربحة، ولذلك حثّ الإمام الصادق أصحابه وأتباعه على التجارة، إذ أشار إلى أن أغلب الرزق في التجارة، فقد قال : «مَنْ طَلَبَ التِّجَارَةَ اسْتَغْنى‏ عَنِ النَّاسِ‏» وأضاف : «إِنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ».

وشدد على أن الإمام الصادق كان ينهى أصحابه عن ترك التجارة، ويحثهم على الانخراط فيها وممارستها، فقد قال لأصحابه: «لَا تَدَعُوا التِّجَارَةَ فَتَهُونُوا، اتَّجِرُوا بَارَكَ‏  اللَّهُ لَكُمْ».

ودعا الشيخ اليوسف الشباب إلى العمل في التجارة والأعمال الحرة، لأنها تجلب السعة في الرزق، وتحسن من الحالة الاقتصادية للإنسان، وهي بلا شك تساعد على تجويد الحياة وتحسينها.

واستطرد قائلاً: على الشباب الاستفادة من أصحاب التجارب التجارية الناجحة، ومعرفة أصول وفنون وقواعد التجارة، واستخدام التفكير والتخطيط والأسس العلمية في التجارة.

وتابع: إن التجارة اليوم تطورت كثيراً، وأصبح هناك مجالات جديدة كالتجارة الالكترونية والمنزلية التي تقدر بمليارات الدولارات في العالم.

واعتبر أن  المفتاح الرابع من مفاتيح جودة الحياة هو الحفاظ على الصحة، والوقاية من الأمراض، فالمرء الذي يتمتع بصحة عالية يشعر بالسعادة، ويمتلك القدرة على العطاء والإنجاز والتميز.

وقال: ورد عن الإمام الصادق توجيهات عديدة في مجال الحفاظ على الصحة، والوقاية من الأمراض، من قبيل غسل اليدين قبل الأكل وبعده، فقد روي عنه أنه قال: «مَنْ غَسَلَ يَدَهُ قَبْلَ‏ الطَّعَامِ‏ وَبَعْدَهُ بُورِكَ لَهُ فِي أوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَعَاشَ مَا عَاشَ في سَعَةٍ، وَعُوفِيَ مِنْ بَلْوىً فِي جَسَدِهِ».

ومن توجيهاته أيضاً: تغطية الطعام حتى لا يلوث بأي نوع من الملوثات الضارة، فقد روي عنه أنه قال: «لَاتَدَعُوا آنِيَتَكُمْ بِغَيْرِ غِطَاءٍ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ إذَا لَمْ تُغَطَّ الآنِيَةُ بَزَقَ فِيها، وَأخَذَ مِمَّا فِيهَا مَا شَاءَ».

ومن توجيهاته : غسل الإناء وتنظيف الدار، فقد قال : «غَسلُ الإناءِ وكَسحُ الفِناءِ، مَجلَبَةٌ للرِّزقِ».

وختم الشيخ اليوسف خطبته بالحديث عن المفتاح الخامس من مفاتيح جودة الحياة وهو تمتين العلاقات الاجتماعية العامة، وألا يكون الاختلاف في الدين أو المذهب أو التوجهات الفكرية وغيرها حاجزاً عن التواصل مع الآخرين.

ولفت إلى أن الإمام الصادق ركّز في عدد من أقواله على أهمية تمتين العلاقات بين الناس، والتواصل والانفتاح عليهم، ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم، من خلال عيادة المرضى، وتشييع الجنائز، وأداء الأمانة، وصدق الحديث وغيرها من التوصيات الواردة عن الإمام الصادق في مجال بناء العلاقات الاجتماعية العامة، بما يخلق حالات الوئام والانسجام والتعايش بين الناس، وهي بلا شك عامل مهم في تحسين الحياة وتجويدها.

وأنهى خطبته بالقول: إن الإمام الصادق رسم للأمة من خلال توجيهاته ووصاياه وتعاليمه القيمة ثقافة الحياة، وبين  المفاتيح الذهبية التي يؤدي امتلاكها إلى الولوج في جودة الحياة وتحسينها.

اضف هذا الموضوع الى: