سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أثناء إلقاء خطبته على المصلين
|
قال الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة 11 ربيع الآخر 1442هـ الموافق 27 نوفمبر 2020م إن حفظ الأمانة بمختلف أشكالها وأنواعها ومجالاتها وصورها دليل على صدق الإيمان وعلامة على التدين الحقيقي والعملي.
وأضاف: أن المعيار في التدين الحقيقي هو صدق الحديث وأداء الأمانة، فقد روي عن رسول اللَّهِ أنه قال: «لا تَنْظروا إلى كَثرةِ صَلاتِهِم وصَومِهِم، وكَثرةِ الحَجِّ، والمعروفِ، وَطَنطَنَتِهِم باللّيلِ! ولكنِ انْظُروا إلى صِدقِ الحديثِ وأداءِ الأمانة».
وروي عن الإمام الصّادق : «لا تَغتَرُّوا بِصلاتِهِم ولا بِصِيامِهِم؛ فإنَّ الرجُلَ ربّما لَهِجَ بِالصلاةِ والصومِ حتّى لَو تَرَكَهُ استَوحَشَ، ولكنِ اختَبِرُوهُم عِند صِدقِ الحَديثِ وأداءِ الأمانَةِ».
وأكد على أن الواجب فعله في الأمانات الخاصة والعامة عدم التقصير في حفظها وأدائها على الوجه المأمور به شرعاً، ويحرم إضاعتها وخيانتها، فقد روي عن الإمام عليّ أنه قال: «أفضلُ الإيمانِ الأمانةُ، أقْبَحُ الأخلاقِ الخِيانةُ».
وقال الشيخ اليوسف: إن الأمانة صفة بارزة من صفات الأنبياء والرسل، فما من رسول يأتي إلى قومه إلا قال لهم: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾ ، وروي عن الإمام الصادق أنه قال: «إنّ اللَّهَ عَزَّ وجلَّ لم يَبعَثْ نَبِيّاً إلّا بصِدقِ الحَديثِ، وأداءِ الأمانَةِ إلى البَرِّ والفاجِرِ».
وبيّن أن نبينا الأعظم اشتهر بالأمانة منذ صغره وقبل بعثته بالرسالة، حتى لقبه قومه بـ ( الصادق الأمين)؛ لأنه كان لا ينطق إلا صدقاً وحقاً، ويحفظ الأمانة ويردها إلى أهلها، فكان محل ثقة عشيرته وقومه، وكان المشركون وغيرهم يحفظون ودائعهم وأموالهم عنده؛ لأنه كان معروفاً بين قومه وفي مجتمعه بالأمانة والصدق.
وأكد على أهمية أن يقتدي الإنسان المسلم ويتأسى بنبيه العظيم ، فيتحلى بصفة الأمانة وحفظها، حتى تتحول هذه الصفة الأخلاقية النبيلة إلى سجية وطبيعة فيه، وخُلُق له، حتى يشار له بين أبناء مجتمعه بالأمانة والصدق، فيكون ذلك سبباً من أسباب التوفيق والنجاح في دنياه وآخرته.
وذكر الشيخ اليوسف بعض أنواع الأمانة وصورها، ومنها: الأمانة العلمية: وتقتضي نشر المعارف والعلوم دون تحريف أو تغيير أو تزوير أو تدليس أو تلبيس وما أشبه، ونسبة الأقوال إلى قائليها، وعدم نسبة ما لغيره من علم وفكر ومقالات ونظريات إلى نفسه، وذكر ما يقتبسه من كتابات الآخرين في الهامش؛ وخلاف ذلك يعد من الخيانة العلمية والسرقات الأدبية، والتي للأسف كثر في هذا الزمان فعله دون وازع، حتى وجدنا من يستنسخ كتاباً بأكمله، بل موسوعة كاملة ويحذف اسم مؤلفه لينسبه إلى نفسه زوراً وكذباً!
ثم تحدث عن الأمانة بين الزوجين، وذلك بحفظ ما يكون بينهما من أسرار زوجية، وعدم إفشائها لأحد، فعادة يعرف الزوج عن زوجته والزوجة عن زوجها الكثير من الأمور الخاصة في الحياة الزوجية، فلا يصح نشرها وإذاعتها بين الناس.
واعتبر أن نشر الأسرار الزوجية والقضايا الخاصة بين الزوجين من مدمرات الحياة الزوجية، ويعد خيانة للأمانة الزوجية، وربما يؤدي ذلك إلى الإنفصال والطلاق.
وقال: من أعظم أنواع الخيانة الزوجية وأشد المحرمات أن تخون الزوجة زوجها في عرضها، فقد روي عن رسول الله - في وَصِيَّتِهِ لِعَلِيٍّ -: «يا عَلِيُّ، أربَعَةٌ مِن قَواصِمِ الظَّهرِ:... وزَوجَةٌ يَحفَظُها زَوجُها وهِيَ تَخونُهُ»، وورد عن الإمام زين العابدين : «مِن شَقاءِ المَرءِ أن تَكونَ عِندَهُ امرَأَةٌ مُعجَبٌ بِها، وهِيَ تَخونُهُ».
ثم أشار إلى أهمية أمانة المجالس، لأن المجالس بالأمانات كما يقال، فيجب حفظ ما يدور فيها من أحاديث وكلام خاص أو عام، وخصوصاً إذا كان في النشر غيبة أو نميمة أو يؤدي إلى فتنة بين الناس، وقد أشار رسولُ اللَّهِ إلى ذلك قائلاً: «المَجالسُ بالأمانةِ، وإفْشاءُ سِرِّ أخيكَ خِيانَةٌ، فاجْتَنِبْ ذلكَ»، وروي عنه أنه قال: «المَجالسُ بالأمانةِ، ولا يَحِلُّ لمؤمنٍ أنْ يَأثُرَ عن مؤمنٍ- أو قالَ: عن أخيهِ المؤمنِ- قبيحاً».
وأوضح بعد ذلك بعض صور الأمانة المالية: كما لو استودعك أحد مالاً له كوديعة فيجب حفظها، وإرجاعها لصاحبها متى أرادها، ولا يجوز إضاعتها أو التفريط في حفظها، والأشد من ذلك نكرانها، لأنه من أعظم أنواع الخيانة في الأموال والودائع.
ومن صور الأمانة المالية أيضاً: إذا أقرضك أحد قرضاً قربة إلى الله تعالى، فمن الأمانة إرجاعه فور انتهاء الأجل، وعدم المماطلة في تسديده، وأما نكرانه واغتصابه؛ فهذا من أشد أنواع الخيانة في مال الآخرين، لأنه أكل للمال بغير حق.
ولفت إلى استحباب كتابة الدين والإشهاد عليه للحفاظ على الحقوق المالية من الضياع والنكران وما أشبه ذلك، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ .