سماحة الشيخ عبدالله اليوسف أثناء إلقاء الخطبة
|
أكد الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة عيد الفطر غرة شهر شوال 1442 هـ على أن من أهم مقاصد الدين هو حفظ الصحة العامة للإنسان والمجتمع، فحفظ النفس من كل ما يضر بها، والتمتع بحق الحياة للأفراد وسلامة المجتمع من أولويات غايات الدين ومقاصده الإنسانية النبيلة، وهذا يتطلب حفظ صحة الإنسان النفسية والعقلية والبدنية، وهو ما يستلزم المحافظة على البيئة الصحية في المجتمع.
وأضاف: تعتبر الصحة من أفضل النعم الإلهية التي أنعم الله بها على الإنسان، لأنه بهذه النعمة يستطيع أن يقوم بأعماله الدينية والدنيوية بكفاءة عالية، ويستلّذ بمتع الحياة المباحة، ويستمتع بحياته على خير وجه وبأفضل صورة؛ ولذا يدعو الشرع والعقل إلى الحفاظ على نعمة الصحة، وعدم التفريط بها، لأن من يفرط بصحته يفرط بحياته كلها.
وتابع: كما لا يصح للإنسان أن يفرط بصحته الشخصية، لا يصح له كذلك أن يفرط بصحة مجتمعه، لأن الحفاظ على الصحة العامة من أوجب الواجبات عقلاً وشرعاً.
واعتبر أن من مفاتيح جودة الحياة الحفاظ على الصحة العامة للإنسان، والوقاية من الأمراض المختلفة، وذلك لأهمية الصحة في حياة الإنسان نفسه، ومسار المجتمع الإنساني بصورة عامة، فالمرء الذي يتمتع بصحة عالية يشعر بالسعادة، ويمتلك القدرة على العمل والعطاء والإنجاز والنشاط.
وأشار إلى أن من تفتك به الأمراض والأسقام المزمنة يفقد -غالباً- القدرة على ذلك؛ كذلك حال المجتمعات من حيث الصحة والمرض، والعافية والوباء؛ حيث تعاني المجتمعات المصابة بالأوبئة وكثرة الأمراض المزمنة من تأخر في التنمية، وكساد في الاقتصاد، وتأخر عن ركب التقدم والازدهار.
وأوضح أن الصحة أفضل نعمة لأن كثيراً من النعم الأخرى ترتبط بها وجوداً وعدماً، ولذا قال أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام): «الصِّحَّةُ أفضَلُ النِّعَمِ».
وقال: إن كثيراً من الأصحاء قد لا يشعرون بهذه النعمة العظيمة إلا عندما يفقدونها، لما روي عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله أنه قال: «خَصلَتانِ كثيرٌ مِنَ الناسِ مَفتونٌ فيهِما: الصِّحَّةُ والفَراغُ» ، وروي عن الإمام الصّادق (عليه السلام) قوله: «العافِيَةُ نِعمَةٌ خَفِيَّةٌ، إذا وُجِدَت نُسِيَت، وإذا فُقِدَت ذُكِرَت»، وعنه (عليه السلام) قال: «كَم مِن مُنعَمٍ علَيهِ وهُو لا يَعلَمُ!».
ودعا إلى عدم التفريط بنعمة الصحة، لأن من يفرط فيها تتنغص حياته، وتتكدر معيشته، ويفقد الكثير من السعادة والمتعة والطمأنينة والراحة، وقد روي عن الإمام الصّادق (عليه السلام) أنه قال: «النَّعيمُ في الدنيا الأمنُ وصِحَّةُ الجِسمِ، وتَمامُ النِّعمَةِ في الآخِرَةِ دُخولُالجَنَّةِ».
وقال: كما يجب على الأفراد المحافظة على صحتهم، كذلك الحال مع المجتمع كله، إذ ينبغي على الجميع اتباع سبل ووسائل الوقاية للاحتراز من الأمراض بكافة أنواعها، وخصوصاً الأمراض الوبائية والمعدية، كما هو الحال مع (جائحة كورونا) التي حولت حياة المجتمعات البشرية في العالم كله إلى توقف شبه كامل في مفاصل الحياة العامة، وأثرت على الاقتصاد والأعمال والسياحة ومختلف جوانب الحياة وأبعادها.
ودعا إلى اتباع الوسائل الوقائية والإجراءات الاحترازية للقضاء على وباء كورونا وذلك عبر تجنب المصافحة والمعانقة وغيرها من الأمور التي كنا نمارسها في المناسبات الاجتماعية وخصوصاً في أيام الأعياد، والاهتمام بلبس الكمامة وغسل اليدين والمحافظة على النظافة العامة وأخذ لقاح كورونا وغيرها من الوسائل الكفيلة بالوقاية من هذا الوباء الوبيل.
وفي الخطبة الأولى لعيد الفطر المبارك شدّد فضيلة الشيخ اليوسف على التحلي بروح الإخلاص في جميع أبعاد الحياة، لأنه أساس الفضائل، وأعلى مراتب الإيمان، وملاك العبادة، وجوهر الطاعات، ومناط قبول الأعمال وصحتها.
وقال: الإخلاص ضد الرياء، والمراد به الإتيان بالأعمال خالصة لله وحده، ابتغاء وجهه الكريم، ونيل فضله العظيم؛ ويتطلب هذا تنقية الأعمال من شوائب الرياء والسمعة والنفاق والخداع وكل ما ينافي روح الإخلاص، وخلوص الأعمال وتجردها من كل ما يكدر صفوها، ويذهب أجرها، ويمنع قبولها.
وتابع قائلاً: أما الرياء فهو الإتيان بالعبادة أو بأعمال الخير لطلب المصلحة المادية أو حب الظهور والجاه أو كسب السمعة والرفعة بين الناس؛ وهو من أسوأ الصفات، وأذم الخصال، وأرذل الأخلاق، ولذا مقته الإسلام أشد المقت، وذم صاحبه بشدة، وازدرى عمله، كما في قوله تعالى: ﴿يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ وهو من مفسدات العمل ومحبطاته؛ فالرياء لا يصلح دنيا، ولا ينفع في الآخرة.
وأشار إلى أن التحلي بالإخلاص هو أشرف نهاية، وأسمى غاية، لما روي عن الإمام عليّ عليه السلام أنه قال: «الإخْلاصُ أشْرَفُ نِهايَةٍ» ، وهو غاية العبّاد المخلصين، لما ورد عنه عليه السلام أيضاً: «الإخْلاصُ عِبادَةُ المُقَرَّبينَ» ، وهو غاية الدين لما ورد عنه عليه السلام أيضاً: «الإخْلاصُ غايَةُ الدِّينِ» لأن هدف الدين هو الارتقاء بكمال الإنسان الروحي والمعنوي، وإتقان العمل وجودته، ولا يتحقق ذلك إلا بالإخلاص.
وبيّن أن من شرائط قبول العبادات الخلوص والإخلاص، لأنه روح العبادة وحقيقتها، إذ يشترط في النية أن تكون بداعي امتثال أمر الله تعالى، والإخلاص في العمل، والتجرد عن الرياء، فلو صلى – مثلاً - وكان باعثه عليها الرياء بطلت صلاته لفقدانه النية الخالصة؛ إذ يجب أن تكون نية العبادات، ومنها نية الصلاة، خالصة للَّه عزَّ وجلَّ، لأن صحتها متوقفة على ذلك، ولأن النية هي الباعث المحفز على العمل، فكلما خلصت لله تعالى وصفت من شوائب الرياء والخداع والنفاق كانت أقرب لقبول المولى، والفوز برضا الرب، لما روي عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله أنه قال: «إذا عَمِلْتَ عَمَلًا فاعْمَلْ للَّهِ خالِصاً؛ لأنَّهُ لا يَقْبَلُ مِن عِبادِهِ الأعْمالَ إلّا ما كانَ خالِصاً» ، وعنه صلى الله عليه وآله قال: «أخْلِصوا أعْمالَكُم للَّهِ؛ فإنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ إلّاما خَلَصَ لَهُ».
وقال: من الأمثلة الواضحة في مجال العبادة على تثبيت الإخلاص هو صوم شهر رمضان، وقد أشارت السيدة الزهراء (عليها السلام) إلى ذلك بقولها: «فَرَضَ اللَّهُ الصِّيامَ تَثبِيتاً لِلإخلاصِ» ، وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «فَرضَ اللَّهُ ... الصِّيامَ ابْتِلاءً لإخْلاصِ الخَلقِ» ، وذلك لأن الصوم إنما يكون بإرادة الإنسان واختياره، فهو يمتنع عن جميع المفطرات في السر والعلن قربة إلى الله تعالى، مما يقوي ويثبت روح الإخلاص في نفس الإنسان وقلبه؛ إذ بالإمكان أن يتظاهر الإنسان بالصيام أمام الناس ويفطر في الخلوات.
ورأى أن من الأمور التي تنمي ملكة الإخلاص عند الإنسان هو أن يحرص على إتيان بعض العبادات المستحبة بعيداً عن أعين الناس؛ كالإتيان بالنوافل وصلاة الليل والدعاء والصدقة والبكاء من خشية الله تعالى وغير ذلك.
ولفت إلى أن الإخلاص لا يقتصر على العبادات والأمور الأخروية فقط، بل هو أمر مطلوب في جميع شؤون الحياة، فكما هو مطلوب في العبادات، مطلوب أيضاً في الأعمال الصالحة، ومطلوب كذلك في الأعمال التطوعية، وفي العمل الوظيفي، وفي كل شؤون الحياة؛ لأن الإخلاص قيمة من القيم الإنسانية الفضلى، وفضيلة من فضائل الأخلاق التي يجب التحلي بها في كل شيء.
واعتبر أن الإخلاص في العمل بكل صوره ومجالاته من أهم العوامل لإتقانه وإنجاحه، ومع فقدانه يفقد العمل صفة الإتقان المهمة في إنجاز العمل وتطويره.
وأكد على أن الإخلاص في العمل بحاجة إلى تصفية القلب وتنقية الوجدان من أية شوائب محسوسة أو غير محسوسة تمنع المرء عن الإخلاص، ولذا روي عن الإمام عليّ عليه السلام أنه قال: «تَصْفِيَةُ العَمَلِ أشَدُّ مِن العَمَلِ» ، وعنه عليه السلام أيضاً قال: «تَصْفِيَةُ العَمَلِ خَيرٌ مِن العَمَلِ» ، ويستفاد من هذه الأحاديث وغيرها أهمية الإخلاص في العمل وصعوبته نتيجة لتشابك البواعث النفسية والمصلحية والمنفعية مع نية الإخلاص.
وشدّد على أن الإخلاص مطلوب في الأعمال كلها، وأن المهم ليس مجرد العمل وإنما كيفيته وحقيقته، فالقليل من العمل مع الإخلاص أفضل من العمل الكثير من غير إخلاص، لما روي عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله أنه قال: «أخْلِصْ قَلبَكَ يَكْفِكَ القَليلُ مِن العَمَلِ» ، وعنه صلى الله عليه وآله قال: «أخْلِصْ دِينَكَ يَكْفِكَ القَليلُ مِن العَمَلِ».
وشبّه العمل الكثير من دون إخلاص بالماء الكثير المالح الذي يزيد الظمآن عطشاً، بينما الماء القليل العذب يروي ظمأ العطشان، وكذا الفرق بين العمل بإخلاص والعمل المتجرد من أي إخلاص.
وقال: إن الله تعالى إنما يتقبل العمل الخالص له، وأما من يأتي بأي عمل وإن كان في ظاهره حسناً بلا إخلاص فلا ثواب له ولا أجر، فالذي ينفق ماله رئاء الناس فلا يتقبل منه وإن أنفق كل ماله لقوله تعالى: ﴿ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ﴾ ، فلا قيمة له عند الله ولا وزناً؛ وهكذا الأمر في كل عمل لا إخلاص لله فيه، لا يتقبل من صاحبه عمله، لأنه يفتقد الإخلاص الذي هو شرط في قبول العمل.
وختم خطبته بالإشارة إلى أن للإخلاص آثاراً وفوائد عديدة، ومنها: الهداية إلى طريق الحق والخير والصلاح، ومنها: أن الله تعالى يوفق المخلص في أعماله، ويكفيه أمر الدنيا والآخرة، ومنها: الخلاص من وساوس الشيطان ومكائده، ومنها: أنه يقضي على النفاق والرياء وحب الظهور والسمعة، ولا يخفى ما للإخلاص من فوائد وآثار اجتماعية كبيرة تعود بالنفع والفائدة على تقدم المجتمع ورقيه وازدهاره.