غلاف كتاب: التكفير والتكفيريون الجدد...ط. 1، 1436هـ - 2015م
|
كتاب "التكفير والتكفيريون الجدد" للشيخ الدكتور عبد الله اليوسف الصادرعن منشورات ضفاف ودار أطياف للنشر والتوزيع سنة ٢٠١٥م، ويقع هذا الكتاب في ٨٩ صفحة من الحجم المتوسط قسمه صاحبه إلى أربعة فصول، بالإضافة إلى مقدمة مقتضبة وفهرس للموضوعات.
الكتاب يهدف كما يظهر من خلال المقدمة، إلى استثارة العقل وتنمية الوعي بمخاطر هذه الظاهرة الانحرافية عن منهج الإسلام الأصيل، وعبر الكشف بشكل منهجي وواضح عن ضوابط التكفير أولاً، لتفكيك الأسباب ثم مقاربة المخاطر وأخيراً محاولة هندسة أهم ابعاد و سبل علاج هذه الظاهرة الفتاكة بالأمن العام للمجتمعات الإسلامية والإنسانية.
في ظل تزايد التقاطعات الثقافية والاحتكاكات الاجتماعية والتفاعلات الفكرية والجدالات والنقاشات وتعدد المصالح وانفجار الهويات سواء على مستوى الجغرافية العربية والإسلامية أو على نطاق المعمورة فيما يتعلق بتداعيات العولمة الثقافية وما عرفته المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ من صراعات دينية واثنية وسياسية، برزت سلوكيات وثقافات ومدارس وفتاوى وأحكام إقصائية للآخر عموماً والمنافس خصوصاً مما يعرف في ثقافتنا العربية والإسلامية أو لغتنا الفقهية الأصولية بالتكفير، كتوصيف لمنكر الحق أو من يغطي الحق ويحجبه عن عقله وبالتالي يترتب على ذلك إقصاؤه وطرده من دائرة الإسلام، و بالنظر لحساسية الأمر وخطورته في حال خروجه عن نطاق السيطرة وأهل الاختصاص والعلم بأصول الدين وأحكامه وضوابط ذلك كله، مادة هذا الكتاب تمثل أطروحة نوعية وبلغة علمية أصولية مختصرة ومبسطة للحاجة الماسة إلى كشف ماهية التكفير بمنظار العلم الموضوعي الشرعي والسوسيوثقافي، حتى نتمكن من فهم الأسباب ونسعى إلى إدراك العلاجات كذلك.
في الفصل الأول من هذا الكتاب والمعنون بضوابط التكفير، انطلق الشيخ الدكتور اليوسف مباشرة من اصطلاحية المفهوم - التكفير- على أنه حكم شرعي، اختصارا وسعياً نحو المقصد الرئيس للكتاب وهو وضع الإطار العلمي الشرعي لهذا الحكم وذلك عبر تحديد الضوابط الرئيسة له لتقريب المفهوم للمسلم العادي والمتصدي للخطاب الديني ورداً على المتعالمين ممن يشهرون سيوف التكفير على كل مختلف معهم سواءً فكرياً أو مذهبياً أو سياسياً أو قومياً، واللافت في هذا الفصل هو دقة العرض لأهم ضوابط حكم التكفير وهي خمسة:
1.إنكار أصل أو ضروري من الدين:
هذا الضابط جداً مهم لأنه يستدعي التركيز في جل ما ورد في الأحاديث الشريفة الصحيحة المتواترة لدى جل المذاهب الإسلامية الناهية عن أن يرمي المسلم أخاه المسلم بالكفر، ودعم الشيخ اليوسف شرحه لهذا الضابط باستحضار عدة أقوال لفقهاء وعلماء كبار ومحققين تفسر معنى الإسلام والإيمان، كما استدل بروايات شريفة تغني الباحث والمهتم لإدراك خطورة تبني نهج التكفير ضد أهل الإسلام والإيمان.
2.العلم بالمكفرات:
استكمالاً لرسم فهم واعي لماهية التكفير عبر اكتشاف أهم الضوابط وفق منهج موضوعي جاء الضابط الثاني داعماً لسابقه الذي يعتبر دلالي بينما العلم بالمكفرات وظيفي، أي أن الأحكام الشرعية لا تطلق على عواهنها ومن قبل أياً كان، يعني التصدي للإفتاء له أهله ممن يتميزون بحلية الصالحين، كما قارب صورة مهمة، حيث هناك من سماسرة التكفير من يطلق الحكم على أهل الاسلام لاختلاف فقهي في المسائل الفرعية العلمية وهذا مما لا أساس له ، بل أكثر من ذلك يوضح الشيخ الدكتور اليوسف أنه حتى في الاختلافات العقدية الثانوية لم يجوز العلماء إطلاق عنوان التكفير ضد المختلف من أهل الإسلام.
3.العمد والقصد:
يستمر الشيخ الدكتور اليوسف في عرض أهم الضوابط بتسلسل منهجي يركز الفهم لدى القارئ، هذا يعتبر الضابط المركزي بين الضوابط الخمسة كونه يقيد الحكم الشرعي بالتثبت وعدم التسرع قبل رمي الآخر بالكفر ما لم يحصل اليقين بذلك، لأنه هناك فرق بين الكلام الكفري والاعتقادي، ناهيك عن التسع أمور التي رفع القلم عنها كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
4.الإختيار وعدم الإكراه:
وهذا الضابط أيضاً تقييدي ويتقاطع مع سابقه بل متلازمين، وكلاهما موضوعي بالأساس وفق القاعدة القرآنية التي عرضها المؤلف بإسهاب إيضاحاً للتفصيل التأصيلي القرآني بخصوص الكفر مما يضبط إجرائية عنوان التكفير.
5.انتفاء الشبهة:
هذا الضابط جداً هام لأنه يغلق الطريق أمام أصحاب التدين المغشوش من أدعياء ملكية الحقيقة المطلقة وأنهم حماة العقيدة وأنصار الشرع الذين لبسوا الإسلام لبس الفرو مقلوباً، لأن أغلب صور التكفير وانتشاره بين المسلمين ضد بعضهم البعض جاء من باب الشبهة إما ترصداً وبهتاناً أو شكاً لكن الأغلب لشبهة طائفية في مسائل خلافية في الفروع و ليس الأصول التي اتفقت عليها الطوائف الإسلامية كلها، ومن جهة أخرى يقدم هذا الضابط بعداً استراتيجياً في تركيز الإيمان والإسلام لدى الناس ويفعل ثقافة السؤال والبحث العلمي والحوار وما هنالك مما يسهم في تحقيق الرشد الايماني بين المسلمين.
ديننا الإسلام حدد أحكاماً حساسة بنصوص قاطعة لا لبس فيها، وحكم التكفير في الشريعة من هذه الأحكام يحتاج إلى عمق التفكير في أسباب توظيف هذا الحكم خارج أطر الشرع، للقدرة على تقليص الظاهرة وتفكيكها وتقييد الحكم في إطاره الصحيح وفق أسس ومقاصد الشريعة التي يخبرها الراسخون في العلم.، حيث خصص المؤلف اليوسف الفصل الثاني لأهم أسباب تفشي أحكام التكفير ودوافع ذلك ، والتي ذكر منها أربعة أسباب تتدافع في توليد السابقة لاحقتها وحصول أي واحد منها يكفي في انفلات أحكام التكفير، و التي أراها دوافع وعوائق فيما يرتبط بعنوان التكفير:
•قلة العلم (عائق معرفي).
•الفهم الخاطئ للنصوص (عائق منهجي).
•التعصب والتشدد (عائق أخلاقي وتربوي).
•الغلو (عائق نفسواجتماعي).
بعد الشكل الدلالي والموضوع الوظيفي بخصوص ظاهرة التكفير، جاء الدور لمقاربة النتائج المادية والملموسة في الفصل الثالث حيث انتقل الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف إلى البعد الواقعي وتداعياته وارتدادات التكفير على السلم الأهلي والأمنين الثقافي والاجتماعي، حيث استعرض أهم دوائر خطر التكفير على حاضر ومستقبل المجتمعات الإسلامية وهي:
التعدي على الحرمات ( خطر حقوقي).
تشويه صورة الإسلام (خطر إستراتيجي).
التصادم الإجتماعي (خطر ذاتي).
اللجوء إلى العنف (خطر وجودي).
المؤلف الشيخ الدكتور اليوسف في الفصل الرابع بعد ثلاث فصول تشخيصية تفكيكية بأسلوب سلس ومنهج دقيق انتقل إلى مرحلة أفضل تسميتها العلاج الاستباقي أو الوقاية من التكفير، حيث وزع سبل العلاج بين العلم والعمل كالآتي:
1)نشر العلم والمعرفة الدينية.
2)بيان حرمة القتل والعدوان.
3)تطبيق العقوبات الإسلامية.
4)تبيين مشروعية الاختلاف.
5)تفنيد الشبهات والإشكاليات.
لقد ألمح المؤلف في هذا الفصل إلى عدة مطالب تجديدية وإصلاحية ترتبط بمستقبل الأمة الإسلامية جمعاء، بدءاً بالفكر الإسلامي وصولاً إلى المصير الإسلامي، فأهم العلاجات التي عددها الشيخ الدكتور اليوسف تشكل ركائز فلسفية، علمية، ثقافية اجتماعية وقانونية لبلورة مناعة شاملة ضد مهددات ومخاطر وأسباب بروز ظاهرة التكفير، كما أنها بمثابة القواعد المتينة لصياغة ضوابط التكفير.
لقد قدّم المؤلف الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف من خلال هذا المؤَلف تصور نموذجي حول ظاهرة التكفير، يسهم في إرساء معالم وعي ديني جديد واشتغال معرفي وأصولي متجدد بهكذا ظواهر تشكل أخطاراً وجودية على الأمة والمجتمعات الإسلامية، كما كشف كيف يتن استخدام حكم شرعي في تشويه حقيقة الإسلام الأصيل وتوظيفه طائفياً تارة وأخرى سياسياً بما هو ديني إثارةً لمشاعر المسلمين من شتى المذاهب والطوائف تحريفاً لمقاصد الشريعة وحقوق الإنسان المكفولة قرآنياً.
على الرغم من غنى مادة الكتاب بالمقاربات والمطارحات وتحاشي المؤلف الاستغراق في التعريفات والنماذج لحساسية موضوع البحث، أكيد للكتاب شأن مهم في حقل الدراسات النقدية الخاصة بالراهن الإسلامي لكن نتمنى من الكاتب توسيع الرؤية من زاوية التأصيل الثقافي عبر التساؤل: هل من سبيل إلى استلهام روح الدين الإسلامي للإجابة على سؤال السلام الاجتماعي؟ فلعل طرح هذا السؤال يفتق بنية للتفكر نفحص فيها شروط صياغة السلام إسلامياً، قد نتلمس طريقها في تلقِّي الراهن الإسلامي لأسئلة الحريات والاختلاف والتعايش والتسامح والتعارف والوحدة برحابة صدر ...؟!