من الآداب الإسلامية: احترام الحياة الخاصة للآخرين، وعدم التدخل في خصوصياتهم وشؤونهم الخاصة، وترك ما لا يعنيك من أمورهم الشخصية.
وقد اعتبر الإسلام أن ذلك من حسن إسلام المرء، فقد روي عن رسول الله أنه قال: «مِن حُسنِ إسلامِ المَرءِ تَركُهُ ما لا يَعنيهِ»[1] وعنه قال: «أعظَمُ النّاسِ قَدراً مَن تَركَ ما لا يَعنيه»ِ[2] ، وهو زينة الورع، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: «تَركُ ما لا يَعني زِينَةُ الوَرَعِ»[3] ، فعلى الإنسان أن يتزين بهذا الأدب، ويترك ما لايعنيه ولا يخصه من أمور الآخرين الخاصة.
ومن فوائد عدم التدخل في شؤون الآخرين الخاصة أنه يجلب الراحة للنفس، فقد روي عن رسول الله أنه قال: «راحَةُ النّفسِ تَركُ ما لا يَعنيها»[4] .
وكتب الإمامُ عليٌّ عليه السلام إلى عبدِاللَّهِ بنِ العبّاسِ: «أمّا بَعدُ، فاطلُبْ ما يَعنيكَ واترُكْ ما لا يَعنيكَ؛ فإنّ في تَركِ ما لا يَعنيكَ دَركَ ما يَعنيكَ»[5] ، وعنه أيضاً قال: «دَعُوا الفُضولَ يُجانِبْكُمُ السُّفَهاءُ»[6] .
فالعاقل هو من ينشغل بما يعنيه في حياته ويفيده في مستقبل أيامه، أما السفيه فهو من ينشغل بما لا يعنيه ويدع ما يعنيه.
والانشغال بما يعني الإنسان نفسه وترك ما لا يعنيه، وعدم التدخل في شؤون الآخرين الخاصة يدل على حسن الإسلام عند الإنسان المتدين، وحسن أخلاقه وآدابه؛ وأما من يدس أنفه في كل شاردة وواردة فهو ممن يسيء في إسلامه، وينتقص ذلك من تدينه وأخلاقه وآدابه.
إذا كان من الطبيعي أن يهتم المرء بشؤونه الخاصة والعامة، فإن من غير الطبيعي أن يترك شؤونه الخاصة ويتدخل في خصوصيات الآخرين وأسرارهم الشخصية، فلكل إنسان خصوصياته وأسراره الشخصية التي لا يرغب في إطلاع الآخرين عليها؛ لأنه يعتبر حريم وحصن داخلي له لا يحق لأحد اقتحامه من غير إذنه، فكما لا يجوز لأحد أن يقتحم دار غيره إلا بإذنه، كذلك لا يجوز لأحد أن يقتحم على الآخرين حياتهم الخاصة وشؤونهم وقضاياهم الشخصية من غير رغبتهم؛ لأنه ملك شخصي لهم.
وإذا كان من الآداب احترام خصوصيات الآخرين وأسرارهم الشخصية، فإن من قلة الأدب التلصص والتطفل من أجل الاطلاع على الحياة الخاصة للآخرين، أو محاولة معرفتها من دون إذن صاحبها.
وإذا كان «مِن حُسنِ إسلامِ المَرءِ تَركُهُ ما لا يَعنيه»ِ[7] ، فإن من أجلى مصاديق ذلك احترام خصوصيات الآخرين وأسرارهم الشخصية، وإن التغافل عما تعلم منها من أشرف أفعال الكريم، فقد ورد عن أمير المؤمنين أنه قال: «أشرَفُ أخلاقِ الكريمِ تَغافُلُهُ عمّا يَعلَمُ»[8] ، وقوله : «مِن أشرَفِ أعمالِ (أحوالِ) الكَريمِ غَفلَتُهُ عمّا يَعلَمُ»[9] .
ومن أسوأ الأخلاق هو التحدث عن خصوصيات الآخرين وأسرارهم الشخصية ونشرها أمام الآخرين بهدف الإساءة إليهم وإيذائهم، وربما يؤدي ذلك إلى إيجاد مشاكل عائلية أو أخلاقية أو اجتماعية، وهو نوع من أنواع التعدي والعدوان على الآخرين، وهو أمر محرم شرعاً.
للفضول والتطفل أسباب ودوافع عديدة، وقد تختلف من شخص لآخر، ونشير إلى أبرزها في النقاط الآتية:
1- غياب الاهتمامات المفيدة:
إذا لم يكن لدى الشخص اهتمامات مفيدة في حياته، وليس لديه أية أهداف واضحة ولا محددة، ويعيش فراغاً كبيراً فإنه يتسلى بالحديث عن خصوصيات الآخرين وقضاياهم الخاصة، وينشغل بالقيل والقال.
أما الشخص المشغول بتحقيق أهدافه واهتماماته المفيدة في حياته فليس لديه أي وقت للتطفل والفضول، ولا يهمه معرفة خصوصيات الآخرين لأنها لا تعنيه في شيء.
وقد أشار الإمام علي إلى ذلك بقوله: «مَنِ اشتَغلَ بالفُضولِ فاتَهُ مِن مُهِمِّهِ المَأمولُ»[10] ، وقوله : «مَن شَغَلَ نَفسَهُ بما لا يَجِبُ، ضَيّعَ مِن أمرِهِ ما يَجِبُ»[11] ، وقوله : «مَنِ اشتَغلَ بغَيرِ ضَرورَتِهِ فَوّتَهُ ذلكَ مَنفَعتَهُ»[12] .
فالإنسان الذي يشتغل بالفضول وبما لا يعنيه يضيع على نفسه تحقيق أي نجاح، أو أي أمر ينفعه ويفيده، وعادة ما يكون يفتقد لأية اهتمامات مفيدة في حياته، ولذلك يلجأ إلى أمور لا تخصه ولا تعنيه في حياته.
2- النزعة الفضولية:
يعاني بعض الأشخاص من نزعة فضولية قوية تدفعهم لمحاولة معرفة خصوصيات الآخرين والاطلاع على حياتهم الخاصة، ويرون في ذلك إشباع لفضولهم.
وهذا الصنف من الناس يتحول لديهم (حب الفضول) إلى صفة ملازمة لهم، فيسألون عن كل صغيرة وكبيرة، وعن كل شاردة وواردة، وغالباً ما يكون مثل هؤلاء نياتهم حسنة لكن أسلوبهم في التعاطي مع الآخرين خاطئ.
3- الرغبة في إيذاء الآخرين:
قسم من الفضوليين يسعون لمعرفة الحياة الخاصة للآخرين بهدف إيذائهم وتسقيطهم والتقليل من شخصياتهم؛ فبمجرد ما يعرفون شيئاً عن خصوصيات وأسرار الآخرين يسارعون إلى بثها ونشرها بين الناس بهدف الإيذاء والإساءة لهم، وهذا أمر محرم شرعاً.
4- العقد النفسية:
يعاني بعض الناس من مشاكل وعقد نفسية، وشحنات سلبية، وتراكمات نفسية وشخصية معقدة، فيسعون إلى التنفيس عنها بالحديث عن خصوصيات الآخرين وأسرارهم الشخصية.
هذه الأسباب وغيرها تؤدي بالإنسان إلى الابتلاء بمرض التطفل والفضول، والتدخل في خصوصيات الآخرين، وانتهاك حياتهم الخاصة من غير إذنهم.
وقد يأتي التدخل في الحياة الخاصة للآخرين عن طريق تتبع أخبارهم، ومراقبة أفعالهم، أو من خلال سؤالهم عن شؤونهم الخاصة، أو محاولة معرفة كل شيء عنهم من خلال سؤال أقاربهم أو أصدقائهم، وهذا الأمر ليس من الأخلاق والآداب في شيء.
تتفاوت المجتمعات الإنسانية في وجود النزعة الفضولية عندها، ففي حين تكاد تختفي في المجتمعات المتقدمة والراقية حيث لا يُسأل المرء عن خصوصياته وحياته الخاصة، ولا يسعى أحد للتلصص والتطفل عليه؛ نجد أنه في بعض المجتمعات تكثر عندهم النزعة الفضولية، فيتدخلون في كل صغيرة وكبيرة، ويبحثون عن خصوصيات الآخرين وأسرارهم الخاصة، ويسألون المرء عن كل شيء، وهذا أمر خاطئ.
على الإنسان المبتلى بعادة الفضول والتطفل على شؤون الآخرين الخاصة السعي للتخلص من هذه العادة السيئة، روي عن أمير المؤمنين : «بِئسَ العادَةُ الفُضولُ»[13] ، فهي عادة سيئة كسائر العادات السيئة والضارة التي يجب التخلص منها.
ويمكن التخلص منها بزيادة الاهتمام بالذات والانشغال بما يعني الإنسان ويهمه، فقد روي عن الإمام علي قوله: «فاطلُبْ ما يَعنيكَ واترُكْ ما لا يَعنيكَ؛ فإنّ في تَركِ ما لا يَعنيكَ دَركَ ما يَعنيكَ»[14] ، وإلا فإن: «مَنِ اشتَغَلَ بما لا يَعنيهِ فاتَهُ ما يَعنيهِ»[15] ، كما ورد عن الإمام علي أيضاً.
والاهتمام بالعلم والمعرفة أيضاً يشغل الإنسان عن الفضول، روي عن الإمام الصادق : «العالِمُ لا يَتَكلَّمُ بالفُضولِ»[16] ، لأنه رجل علم ومعرفة، وكلما زاد علم الإنسان ارتقى في اهتماماته، وكبرت أهدافه، وتوسعت رؤيته وآفاقه.
كما أن ملء الفراغ يساعد الإنسان على التخلص من عادة الفضول، إذ أن المشغول لا وقت عنده للحديث عن زيد أو عمرو، بخلاف الإنسان الفارغ.
وتدريب النفس وترويضها على عدم التدخل في خصوصيات الآخرين وسيلة أخرى للتخلص من عادة الفضول والتطفل.
[1] قرب الإسناد: 67/ 214.
[2] الأمالي للصدوق: 73/ 41.
[3] جامع الأخبار: 337/ 947.
[4] بحار الأنوار: 71/ 167/ 32.
[5] تحف العقول: 218.
[6] بحار الأنوار: 75/ 53/ 89.
[7] قرب الإسناد: 67/ 214.
[8] غرر الحكم: 3256.
[9] نهج البلاغة: الحكمة 222.
[10] غرر الحكم: 8633.
[11] غرر الحكم: 8528.
[12] غرر الحكم: 8765.
[13] غرر الحكم: 4394.
[14] تحف العقول: 218.
[15] غرر الحكم: 8520.
[16] مشكاة الأنوار: 551/ 1850.