حياة الإمام زين العابدين، ط. 1، 1445هـ - 2023م
|
صدر عن مهرجان تراتيل سجادية التاسع كتاب جديد لفضيلة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف بعنوان: «حياة الإمام علي بن الحسين زين العابدين : دراسة تحليلية للسيرة الأخلاقية والعلمية والسياسية للإمام زين العابدين» ويقع في مجلدين، وعدد صفحات الجزء الأول 596 صفحة، وأما الجزء الثاني فيقع في 340 صفحة من الحجم الكبير، الطبعة الأولى 1445 هـ - 2023م.
علماً أن هذا الكتاب فاز بالجائزة الأولى في مهرجان تراتيل سجادية التاسع (25 محرم 1445هـ) الذي تقيمه العتبة الحسينية المقدسة في كربلاء سنوياً في ذكرى وفاة الإمام زين العابدين من كل عام.
واتبع الباحث في دراسته عن حياة الإمام زين العابدين المنهج العلمي الرصين، وفق القواعد والأدوات والآليات العلمية بما يفيد في الوصول إلى النتائج الصحيحة التي يتوصل إليها الباحث في نهاية البحث والدراسة؛ والتي دوَّنها في نهاية البحث.
وقد ركَّز الباحث في دراسته على الأبعاد المهمة من حياة وسيرة الإمام زين العابدين ؛ كالبعد الروحي والمعنوي والأخلاقي، والبعد العلمي والفكري والمعرفي، والبعد التربوي والتعليمي، والبعد القيمي والإنساني، والبعد الاجتماعي والسياسي...، وغيرها.
وتأتي أهمية هذه الدراسة في بيان الأبعاد المختلفة عن حياة وسيرة الإمام زين العابدين بما يشكل بمجموعها الصورة الكاملة لشخصيته، وعدم اختزال سيرته المباركة في بُعد واحد كعبادته وأدعيته وأخلاقه أو كثرة بكائه وشدة زهده كما يفعل بعض الكُتَّاب وبعض المؤرخين عند الحديث عنه، بل تسليط الأضواء على جوانب متعددة من حياته المباركة.
واستعراض ومناقشة كل الآراء المطروحة من قبل المؤرخين والكُتَّاب، ثم ترجيح الرأي المختار وفق الأدلة والبراهين العلمية في المسائل الخلافية أو الآراء المختلفة.
والاستفادة من سيرة الإمام في الجانب العلمي والجانب التربوي والجانب الأخلاقي والجانب الإنساني والجانب الاجتماعي، وغيرها من الجوانب في حياتنا المعاصرة؛ لأن في سيرته أسوة حسنة لكل المسلمين.
بدأ المؤلف الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف كتابه بمقدمة مفصلة، جاء فيها ما نصه:
«الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين (38-95هـ/659-713م) هو الإمام الرابع من أئمة أهل البيت الأطهار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.
وقد برز الإمام زين العابدين في فترة إمامته إمامًا للمسلمين، ومرجعًا في الدين، ومبينًا للأحكام الشرعية، ومنارةً في العلم، ومفسرًا للقرآن الكريم، وحافظًا للحديث النبوي، ومعلمًا للناس، ومربيًّا للنفوس.
وكان مثلًا أعلى في الإيمان والعبادة والزهد والتقوى والورع حتى لُقِّب بسيد الساجدين، وزين العابدين، وإمام المتقين، ومنار القانتين.
وقد واجه الإمام في حياته كثيرًا من المحن والمآسي، وكان أعظمها واقعة كربلاء المأساوية بكل تفاصيلها المؤلمة، وما أعقبها من تداعيات ومفاعيل كبيرة عاشها الإمام بصبر وتجلد عظيمين، وتحمل للمسؤولية، وحنكة في الإدارة، وبصيرة ثاقبة تجاه المتغيرات التي حدثت في زمانه.
وقد تقلَّد الإمام زين العابدين مقاليد الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الحسين في فترة زمنية عصيبة في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، ومارس دوره الديني والقيادي بوعي وحكمة وأفق واسع مع حساسية المرحلة وصعوبة الواقع.
وقد رأى الإمام أن الأمة تواجه أخطارًا عظيمة، من أبرزها تأثر الأمة بالثقافات المتنوعة الوافدة والتي أثَّرت على شخصية الإنسان المسلم، وعلى مسار الأمة الإسلامية ومستقبلها.
والأمر الآخر ضمور القيم الدينية والأخلاقية، وشيوع المفاسد والمحرمات نتيجة الرخاء في العيش، والإسراف في ملذات الدنيا وشهواتها؛ وذلك بهدف إشغال الناس بالدنيا وملهياتها، وإبعادهم عن روح الإسلام ومقاصده وأهدافه العليا.
ومن هنا، اهتمَّ الإمام زين العابدين بعد مأساة كربلاء ببناء الإنسان وتربيته تربية دينية وعلمية محكمة من أجل تأهيل صفوة مؤمنة تقود مسيرة الأمة، وتصحح مسارها الخاطئ، وتساهم (فيما بعد) في نشر العلم والمعرفة في الحواضر العلمية الكبرى.
وبالفعل، فقد أولى الإمام التربية والتعليم اهتمامه الكبير سواء بالأدعية أو إلقاء الدروس العلمية في المسجد النبوي أو التركيز على القيم الأخلاقية بهدف بناء شخصية الإنسان المسلم؛ لأنه المحور الرئيس في بناء الأمة وتقدمها ونهوضها الحضاري».
أوضح الشيخ اليوسف أهداف دراسته المفصلة عن السيرة العطرة للإمام زين العابدين وحياته المباركة إلى تحقيق عدة أهداف رئيسة، أبرزها الآتي:
1- إبراز الجانب الروحي والمعنوي والأخلاقي والقيمي والتربوي والسلوكي والإنساني في حياة وسيرة الإمام زين العابدين ، وتعريف الناس بهذا الجانب المهم من سيرة الإمام وحياته، لما لشخصيته من موقعية متقدمة في الوجدان الشعبي، ولما يتركه ذلك من أثر فاعل في تحفيز العمل بالقيم الروحية والأخلاقية والإنسانية.
2- التركيز على إبراز العطاء العلمي والإثراء المعرفي والكلامي والفقهي والتفسيري للإمام زين العابدين ، وما قدَّمه في هذه العلوم الدينية والمعارف الإسلامية من إضافات ومساهمات وإبداعات مهمة، ساهمت في إنماء العلم وإغناء المعرفة وترسيخ العقائد الحقة وتنمية الوعي بالمفاهيم الإسلامية والقيم الإنسانية والأخلاقية.
3- ضرورة التركيز على التربية والتعليم في إعداد كوادر علمية رسالية مؤهلة علميًّا وعمليًّا، وهذا ما قام به الإمام زين العابدين عبر تربية وتعليم صفوة مختارة من خُلّص رواته وأصحابه الثقاة، وقد كان لهؤلاء -فيما بعد- الفضل الأكبر في نشر التراث الديني والعلمي للإمام زين العابدين ، وتعريف الناس بأصول الإسلام وفروعه.
4- أهمية التصدي للفرق والتيارات والاتجاهات المنحرفة والضالة والفاسدة، فقد تصدى الإمام زين العابدين بكل حزم وقوة للغلاة والجبرية والمرجئة والقدرية وغيرهم، مبينًا للمسلمين فساد معتقداتهم وبطلان أفكارهم، ومحذِّرًا إياهم من اتباعهم أو الافتتان بأفكارهم الضالة ومعتقداتهم الفاسدة، أو مجالستهم ومصاحبتهم، أو معاشرتهم ومصادقتهم؛ ففي كل عصر تبرز على الساحة الفكرية تيارات وفرق منحرفة وضالة تحتاج لمن يتصدى لفكرها المنحرف، ويوقف انحرافاتها حتى لا تتمدد في جسد الأمة وفكرها.
5- بيان قيمة العلم وفضل العلماء، وأن تطور الأمم والشعوب وتحضرها إنما يكون بالعلم والمعرفة، وتشجيع الشباب على طلب العلم في مختلف مجالاته، وأهمية التخصص في الدراسات العلمية الدقيقة والمتميزة.
6- التأكيد على أهمية تعريف الناس بحقوق الإنسان، والاستفادة من رسالة الحقوق للإمام زين العابدين ، وضرورة إدراج مادة لـ "حقوق الإنسان" في مناهج التعليم؛ لنشر ثقافة الحقوق بين الطلاب والطالبات، لما لذلك من آثار إيجابية على السلوك الفردي والاجتماعي بما يؤسس لثقافة التسامح والتعايش الاجتماعي، وضمان الحق في الاختلاف مع الآخر المختلف مذهبيًّا ودينيًّا.
7- نشر ثقافة العمل التطوعي في المجتمع، والتركيز على أخلاقياته ودوافعه الإنسانية، اقتداءً بسيرة الإمام زين العابدين في هذا المجال الإنساني المهم؛ فقد عرف بتعامله الإنساني النبيل مع الفقراء والأيتام والمساكين وغيرهم، وكان يحتفي ويرحب بهم ويكرمهم، وكذلك تنمية قيمة العمل الخيري، وتقوية التراحم الاجتماعي، وتعزيز ثقافة العطاء وفعل الخير في المجتمع.
تناول الباحث الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف الدراسات السابقة عن حياة الإمام زين العابدين وبدأ كلامه بقوله:
«مع المكانة العظيمة والمقام الرفيع للإمام زين العابدين ، ومع ما سجَّلته كتب الحديث والسيرة والتاريخ عن حياته وسيرته الحافلة بالعبادة والعلم والعمل، إلا أن ما كُتِب عنه من مؤلفات ومصنفات وكتب تحليلية ومفصلة ليست بالمستوى المطلوب سواء من حيث الكم أو الكيف.
وبحسب ما دوَّنه الدكتور عبد الجبار الرفاعي حول عدد المؤلفات عن رسول الله وأئمة أهل البيت ، فأصدر موسوعة ببليوغرافية بعنوان: "معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت" وتقع في أحد عشر مجلدًا، فقد بلغت المؤلفات عن الإمام زين العابدين ثلاث مئة وتسعة وتسعين كتابًا فقط، وهو ما يجب أن يدفع بالباحثين والكُتَّاب إلى مضاعفة الكتابة عن حياة وسيرة هذا الإمام العظيم لتعريف الأمة بمكانته وموقعيته ومقامه وشرفه وفضله في الإسلام.
ومما لا شك فيه أن عدد المؤلفات عن حياته وسيرته المباركة قد زاد الآن عن ذلك العدد؛ لأن هذه الإحصائية مَرَّ عليها عدة سنوات، لكن تبقى الكتابات الجادة والتحليلية والإبداعية قليلة جدًّا.
وبالرغم من العدد المتزايد للدراسات والمؤلفات التي كتبت عن حياة وسيرة الإمام زين العابدين ، إلا أن معظمها تركز على المناقب والفضائل والمعجزات للإمام، أو تنحو منحى السرد التاريخي بعيدًا عن التحليل والاستنتاج، وربطها بالواقع المعاصر.
وشخصية بحجم ومكانة الإمام زين العابدين بحاجة للمزيد من الدراسات التحليلية والتخصصية لمعرفة أبعاد شخصيته العظيمة، والظروف التي عايشها في حياته، وما تركه من آثار أخلاقية وعقائدية وعلمية وتربوية واجتماعية وفكرية وسياسية ثرية.
ويجد المتتبع لهذه المؤلفات والمصنفات أنها لا تخلو من بعض الملاحظات المنهجية، كما يعتري أكثرها غياب المنهج العلمي الحديث في كتابتها، ما أثَّر في استنباط النتائج العلمية الدقيقة، وإن كان بعضها لها قيمة علمية مهمة».
ثم استعرض بعض تلك المصنفات والمؤلفات عن حياة الإمام زين العابدين ، وأشار إلى نقاط قوتها والثغرات المنهجية الموجودة فيها.
تتكون هيكلية هذه الدراسة العلمية عن حياة وسيرة الإمام زين العابدين من خمسة أبواب، في كل باب عدة فصول، وهي كالآتي:
تبدأ الدراسة في بابها الأول والذي عنونه المؤلف بـ "شخصية ومكانة الإمام زين العابدين "، ويتضمن هذا الباب ثلاثة فصول، وهي:
الفصل الأول: البطاقة الشخصية للإمام زين العابدين .
الفصل الثاني: الأدلة على إمامة الإمام زين العابدين .
الفصل الثالث: شخصية الإمام زين العابدين في كلمات الأعلام.
أما الباب الثاني فعنونه بـ "السيرة الروحية والأخلاقية للإمام زين العابدين "، وفيه فصلان، وهما:
الفصل الأول: السيرة الروحية للإمام زين العابدين .
الفصل الثاني: السيرة الأخلاقية للإمام زين العابدين .
وكان عنوان الباب الثالث "السيرة العلمية والفكرية للإمام زين العابدين "، وتضمن هذا الباب ستة فصول، وهي:
الفصل الأول: علم الإمام زين العابدين .
الفصل الثاني: البناء العقائدي عند الإمام زين العابدين .
الفصل الثالث: العناية بالقرآن الكريم عند الإمام زين العابدين .
الفصل الرابع: جهود الإمام زين العابدين في نشر الحديث.
الفصل الخامس: فقه الإمام زين العابدين .
الفصل السادس: مدرسة الإمام زين العابدين العلمية.
أما الباب الرابع لهذه الدراسة التحليلية عن الإمام زين العابدين فجاء موسومًا بـ "السيرة السياسية للإمام زين العابدين "، واحتوى على ثلاثة فصول، وهي:
الفصل الأول: الإمام زين العابدين وحكَّام عصره.
الفصل الثاني: المواقف السياسية للإمام زين العابدين .
الفصل الثالث: خطط الإمام زين العابدين في مواجهة الاستبداد الأموي.
وكان الباب الخامس نهاية هذا الكتاب، وهو بعنوان "الإمام زين العابدين شهادة وخلود" ويتكون من فصلين، وهما:
الفصل الأول: شهادة الإمام زين العابدين .
الفصل الثاني: حِكَم ومواعظ بليغة للإمام زين العابدين .
وختم الباحث هذه الدراسة العلمية عن حياة الإمام ببيان نتائج الدراسة التي توصل إليها الباحث في بحثه، ثم ذكر مجموعة من التوصيات التي يوصي بها، وبهذا تتضح خلاصة البحث ومرئيات الباحث.
الجدير بالذكر أنه سبق وأن صدر للمؤلف كتابان عن الإمام زين العابدين وهما:
1) الإمام السجاد وبناء الإنسان: صدرت الطبعة الأولى عن العتبة الحسينية المقدسة، كربلاء، عام 1439هـ - 2018م؛ والطبعة الثانية صدرت عن دار أطياف للنشر والتوزيع، القطيف، 1440هـ - 2019م؛ وقد تمت ترجمته بسبع لغات عالمية، وهي: اللغة الفرنسية، واللغة السواحلية، واللغة التركية، واللغة الأوردية، واللغة الهندية، واللغة البنغالية، واللغة الروسية.
2) العناية بالقرآن الكريم عند الإمام علي بن الحسين السجاد : دار دراية، القطيف – السعودية، الطبعة الأولى 1442هـ - 2021م.