ظاهرة الرسوم المسيئة للنبي (ص)رؤية في الجذور وصنع البدائل
الشيخ عبدالله اليوسف - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
ألقى سماحة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف كلمة الجمعة في جموع المصلين بعد الصلاة ليوم الجمعة4 محرم 1427هـ الموافق 3 فبراير 2006م بمسجد الإمام الهادي بالحلة، حيث ركز فيها على ظاهرة الرسوم المسيئة للرسول الأكرم ، مشيراً إلى ضرورة دراسة جذور هذه الظاهرة السيئة، والعمل على صناعة البدائل بما يمكن الأمة الإسلامية من امتلاك مقومات القوة السياسية والاقتصادية والعلمية.
وإليكم أهم ماجاء في كلمة سماحته (حفظه الله):

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ *إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (1)
واجه الرسول الأعظم محمد بن عبدالله الكثير من المشاكل والعقبات والتحديات في سبيل نشر الدعوة، وتبليغ الرسالة ، ومن أبرزها : توجيه سيل من الإهانة والاستهزاء المادي والمعنوي بشخصيته ، حيث كان الكفار يرمون على جسده الشريف الأوساخ وهو قائم يصلي لله، أو ممارسة الاستهزاء اللفظي به ، بهدف تصغير شخصية الرسول عند الناس كي ينفروا منه، ولا يلتفوا حول شخصيته العظيمة .
وقد مارس الرسول الكريم الدعوة بصورة سرية لمدة ثلاث سنوات، حتى نزلت هذه الآيات ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ *إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (2) تدعو الرسول إلى إعلان الدعوة والجهر بها، مع عدم الاهتمام بردود المشركين؛ لأن الله تعالى تكفل بحماية النبي من استهزائهم ومكرهم وكيدهم .
وقوله تعالى : ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (3) أي كفيناك شر المستهزئين واستهزاءهم بأن أهلكناهم وكانوا خمسة نفر من قريش: العاص بن وائل والوليد بن المغيرة وأبو زمعة وهو الأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث والحرث بن قيس عن ابن عباس وسعيد بن جبير. وقيل كانوا ستة رهط عن محمد بن ثور وسادسهم الحارث بن الطلاطلة وأمه عيطلة قالوا وأتى جبرائيل النبي والمستهزؤون يطوفون بالبيت فقام جبرائيل ورسول الله إلى جنبه فمر به الوليد بن المغيرة المخزومي فأومى بيده إلى ساقه فمر الوليد على قين لخزاعة وهو يجر ثيابه فتعلقت بثوبه شوكة فمنعه الكبر أن يخفض رأسه فينزعها وجعلت تضرب ساقه فخدشته فلم يزل مريضاً حتى مات، ومر به العاص بن وائل السهمي فأشار جبرائيل إلى رجله فوطئ العاص على شوكة فدخلت في أخمص رجله فقال لدغت فلم يزل يحكها حتى مات، ومر به الأسود بن المطلب بن عبد المناف فأشار إلى عينه فعمي وقيل رماه بورقة خضراء فعمي وجعل يضرب رأسه على الجدار حتى هلك، ومر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى فمات وقيل أصابه السموم فصار أسود فأتى أهله فلم يعرفوه فمات وهو يقول قتلني رب محمد، ومر به الحارث بن الطلاطلة فأومى إلى رأسه فامتخط قيحاً فمات وقيل إن الحرث بن قيس أكل حوتاً مالحاً فأصابه العطش فما زال يشرب حتى انقد بطنه فمات(4) .
وإن مجيء الفعل بصيغة الماضي في الآية الشريفة ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (5) مع أن المراد المستقبل يشير إلى حتمية الحماية الربانية، أيّ: سندفع عنك شر المستهزئين، حتماً مقضياً.
وقد ذكر المفسرون رواية تتحدث عن ست جماعات ( أو أقل ) كلاً منهم يمارس نوعاً من الاستهزاء تجاه النبي .
فكلما صدع النبي بالدعوة قاموا بالاستهزاء تفريقاً للناس من حوله إلا أن الله تعالى قد ابتلى كلاً منهم بنوع من البلاء، حتى شغلهم عن النبي (6)
وعبر التاريخ هناك من أعداء الدين من يحاول التقليل من شخصية النبي العظيم محمد بن عبدالله من خلال الاستهزاء أو السخرية أو الاستهانة بشخصية نبينا ، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع في تحقيق أهدافها وغاياتها الخبيثة.
وما قامت به صحيفة " يولاندز بوستن " الدنماركية بتاريخ 30 سبتمبر (أيلول) 2005م، وما تلتها من صحف غربية أخرى من نشر اثني عشر رسماً كاريكاتيراً مسيئاً للنبي محمد ، هو امتداد لما حدث في عهده ، وبعد مماته للتأثير على أتباعه ومحبيه، والتقليل من شخصيته العظيمة، كما أنه يعبر عن استخفاف الغرب بالقيم الدينية، والاستهانة بالمعتقدات الإسلامية.
جذور الأزمة
ليس من المنطقي أن نتعامل مع هذه الظاهرة الجديدة في الصحف الغربية بردود أفعال مؤقتة تنتهي بانتهاء الحدث، وإنما المطلوب التعمق في فهم أبعاد هذه الظاهرة السيئة، ومحاولة معرفة أسبابها وجذورها الرئيسة كي يمكن التعامل معها بصورة صحيحة، وتجاوز آثارها وتداعياتها السلبية.
وتتلخص أهم جذور هذه الظاهرة في النقاط التالية:
1ـ تقصير المسلمين في التعريف بالإسلام:
يوجد تقصير واضح لدى المسلمين في التعريف بالإسلام الأصيل، فلم نعمل من أجل تعريف الشعوب والأمم غير المسلمة بالإسلام، ولم نوضح لهم قيم وأخلاق ومثل الإسلام السمحاء.
وبالرغم من الإمكانات الضخمة التي يملكها مسلمو اليوم إلا أنه ـ وللأسف الشديد ـ لم يستثمروا تلك الإمكانات والقدرات الهائلة في التعريف بالإسلام، مما جعل الشعوب والأمم الغربية وغيرها لا تعرف شيئاً عن قيم الإسلام وثقافته وفكره.
2 ـ عرض الإسلام بصورة خاطئة:
من المهم للغاية أن نتقن عرض الإسلام في هذا العصر بما يتلاءم ولغته، فالإسلام بما يدعو إليه من قيم التسامح والتحاور والتراحم، واحترام حقوق الإنسان، ودعوته للتحلي بالقيم الأخلاقية والروحية، كفيل بإقناع الآخرين باعتناقه، ولكن بشرط أن نتقن عرضه للآخرين بصورة منطقية.
ومما يؤسف له حقاً هو عدم أهلية بعض الدعاة والمبلغين للتبشير بالإسلام، حيث يتم عرض الإسلام بصورة خاطئة مما ينفر الآخرين منه؛ بل ويرسم انطباعاً خاطئاً عن الإسلام وثقافته
وفي عالم اليوم – أكثر من أي يوم مضى- يأخذ أسلوب العرض للأفكار موقعاً مهماً في الإقناع والتأثير، فحتى الأفكار الخاطئة إذا ما تم عرضها بأسلوب رائع قد تقنع الطرف الآخر، في حين أن الأفكار الصحيحة تكون منفرة إذا ما تم عرضها بصورة غير ملائمة.
ولاشك في أن بعض الدعاة في الغرب قد مارس الدعوة إلى الإسلام بصورة خاطئة وغير مناسبة للغة الغربيين مما أدى إلى نفور شرائح اجتماعية كبيرة من الإسلام، وأصبح يُنْظَر إلى الإسلام كإيديولوجية غير متلائمة مع لغة العصر !
3ـ ممارسة العنف:
ساهمت بعض الجماعات التي ترفع شعار العنف من أجل التغيير أو تحقيق أهداف سياسية في رسم صورة خاطئة عن الإسلام وثقافته.
فما يحدث اليوم في العراق من اختطاف الأجانب وذبحهم بطريقة أكثر وحشية حتى من ذبح الحيوانات قد أعطى صورة مغلوطة ومشوشة عن ثقافة الإسلام وقيمه.
كما أن ما قامت به بعض الجماعات والتيارات التي تؤمن بوسيلة العنف في بلاد الغرب ـ كما في بلاد المسلمين ـ قد أدى إلى الإساءة للإسلام، وَصُوِر الإسلام في بلاد الغرب على أنه دين يدعو إلى العنف والقتل والدمار !!
وتشير بعض الرسوم المسيئة للنبي في الصحف الغربية إلى هذه الصورة النمطية عن الإسلام، وعن شخصية الرسول؛ حيث تصور الرسوم الرسول الكريم في أشكال مختلفة، وترمز بعضها إلى أنه كان يمارس الإرهاب أو أنه سبب لنمو الإرهاب!! وهذه الصورة النمطية إنما تجذرت في أذهان الغربيين نتيجة للممارسات الإرهابية، أو الأساليب العنيفة التي تؤمن بها بعض الجماعات المتطرفة.
4ـ الاختلاف الجوهري بين حضارتين :
كشفت ظاهرة الرسوم المسيئة للنبي الأعظم عن اختلاف جوهري بين حضارتين مختلفتين، ففي حين تركز الحضارة الغربية على كل ما هو مادي وتتجاهل كل ما هو روحي، فإن الحضارة الإسلامية توازن بين المادة والروح، وفي الوقت الذي تسمح فيه الحضارة الغربية بالحرية إلى أبعد الحدود بما فيها الحرية في الحرام كالزواج المثلي، والخروج في الشوارع عراة، وممارسة الجنس أمام الناس، فإن الحضارة الإسلامية تعتبر ذلك خروجاً من الدين، وممارسات محرمة.
ومع ذلك فإن الغرب يمارس معايير مزدوجة في الحرية، ففي الوقت الذي يسمح فيه بالاستهزاء من النبي الأكرم يمنع على أي غربي أو غيره التشكيك في صحة ( الهولوكست). كما أن الحرية لا تعني الاستهزاء بمعتقدات الآخرين، أو السخرية من المقدسات الدينية، ولا يمكن أن يكون ذلك من الحرية المسؤولة، وإلا تحولت إلى فوضى.
وما قامت به الصحيفة الدنماركية وما تبعتها من الصحف الغربية الأخرى يشير إلى الاستخفاف بعقائد الآخرين، وانتهاك مقدسات المسلمين، وهو الأمر الذي يدل على الاستغراق في العنصرية والكراهية للشعوب المسلمة، كما أنه ناتج من الانفصام الغربي بين الدين والدنيا الحادث من الصراع الذي حدث بين الكنيسة والعلم..
أما الحرية التي يدعو إليها الإسلام فهي التي تقوم على التعبير المسؤول، والتي لا تتجاوز حقوق الآخرين، فحرية الأنا تنتهي عندما تبدأ حرية الآخر ، كما أن الحرية لا تكون إلا في ما يقع في دائرة المباح.
صنع البدائل
وبعد أن استعرضنا جذور الأزمة بين الغرب والمسلمين، والتي فجرتها قضية الرسوم المسيئة للنبي الكريم كأحد المظاهر البارزة لهذه الأزمة التي تزداد تعقيداً بمرور الزمن يبرز السؤال التالي : كيف نعالج هذه الأزمة بين الغرب والمسلمين ؟! وما هي البدائل التي تساعدنا على تجاوزها ؟
للإجابة على هذا السؤال نشير إلى الحقائق التالية :
1ـ العمل على التعريف بالإسلام :
نشر الدعوة الإسلامية، وتعريف الأمم والشعوب غير المسلمة بالإسلام من مسؤولية كل قادر على القيام بدور ما في التعريف بالإسلام، ونشر الثقافة الإسلامية، والمعرفة الدينية بين الشعوب المختلفة .
ولعلَّ من أهم أسباب الأزمة ين الغرب والمسلمين هو جهل الغربيين بالإسلام، فلم يعد المسلمون يعملون من أجل التبشير بدينهم مما أدى إلى فهم الإسلام لدى الشعوب غير المسلمة بصورة خاطئة .
ومع توافر الوسائل الحديثة في نشر الأفكار والمعتقدات بين الأمم والمجتمعات أصبح الأمر من السهولة بمكان كبير، فلو استفاد المسلمون من القنوات الفضائية، وشبكة الإنترنت العالمية وغيرها، بطريقة علمية وعملية لكانوا قد ساهموا بصورة كبيرة في نشر الإسلام كما هو في المجتمعات الأخرى.
لكن مما يؤسف له أن الخطاب الإسلامي يخاطب المسلمين أنفسهم، ولا يوجد خطاب إسلامي مؤثر وموجه للمجتمعات غير المسلمة إلا بصورة نادرة وبأسلوب غير ملائم مع ما هو مطلوب في مكونات الخطاب المعاصر .
وما قامت به الصحف الغربية من نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي الكريم يجب أن يدفعنا جميعاً للتعريف بالإٍسلام، وبشخصية الرسول الأكرم ، للشعوب الأوروبية وغيرها. كما أن على الواعيين أن يعملوا بكل جد واجتهاد من أجل استنهاض الأمة من غفوتها، ودفعها نحو العمل المنظم من أجل دينها، والدفاع عن نبيها، نبي الرحمة والإنسانية محمد بن عبدالله .
2ـ عرض الإسلام بصورة علمية :
الإسلام يحمل مميزات يفتقدها غيره من الأديان والإيديولوجيات، ولكن الأفكار الجميلة، والمعتقدات الإيمانية لا يمكن إقناع الآخرين بها ما لم تكن مصحوبة بالعرض المناسب، فالقرآن الكريم يدعونا إلى التحلي بالحكمة في عرض الإسلام، يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (7) .
فالدعوة إلى الله ما لم تكن مصحوبة بالحكة في العرض والأسلوب قد تتحول إلى معول هدم ضد الإسلام ! وكم من أساليب خاطئة في الدعوة إلى الله تعالى قد نفرت المخاطبين بها عن الإسلام، وعن القيم الروحية والأخلاقية !
إن من أهم الأمور التي يجب على الدعاة إلى الله تعالى أن يتعلموها ـ وخصوصاً في بلاد الغرب ـ أن يدرسوا أساليب العرض، وفنون الإقناع للآخرين، كي يمكنهم التأثير الإيجابي على من يتلقى تلك العقائد والأفكار.
3ـ رفع شعار اللاعنف :
إن المعتقدات الدينية محلها القلب ولذلك لا يمكن إقناع الآخرين بها إلا من خلال الاقتناع بها عن وعي وبصيرة، أما إذا كانت بالإكراه والجبر فلن يكون لها أي تأثير قلبي أو اقتناع عقلي بها، لذلك قال الله تعالى: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (8) لأن الإيمان بالدين لا يمكن أن يتم إلا من خلال القناعة والاقتناع، أما بالإكراه فقد يتظاهر الإنسان بالإيمان بالدين تحت التهديد ولكنه غير مؤمن به في قلبه وعقله.
ونقصد بالحديث عن اللاعنف جميع أشكاله وأساليبه، من غير فرق أن يكون بالقول أو بالفعل، وإن كان الثاني أشد ضرراً، سواء استخدم في نشر الأفكار والمعتقدات، أو من أجل تحقيق أهداف سياسية أو غيرها .
فمن الواضح أن استخدام العنف كوسيلة للتغيير أو لتحقيق أهداف سياسية معينة قد ساهم بصورة كبيرة في تعميق الأزمة بين الغرب والمسلمين، ويتساوى في ذلك استخدام العنف من قبل الغرب ضد المسلمين أو من قبل الجماعات التي ترفع راية الإسلام ضد الغرب .
وعندما نقرأ التاريخ سنجد أن استخدام العنف يعود بأضرار كبيرة على من يمارسه أو يُمارَس ضده، ولم تستطع أي دولة أو جماعة تحقيق أهدافها كاملة من خلال استخدام وسائل عنيفة محضة . ولذلك يجب أن يكون ردنا على ما قامت به الصحف الغربية حضارياً وبعيداً عن استخدام أية أساليب عنفية، لأن استخدامها سيعطي صورة خاطئة أيضاً عن الإسلام والمسلمين، وسيعمق من أزمة عدم الثقة بين المسلمين والغرب، ولن يحقق أية أهداف استراتيجية للأمة الإسلامية.
واستخدام ( اللاعنف ) سواء في القول أو الفعل، هو الطريق الأسلم والأقصر لتحقيق الأهداف، وهذا بالطبع لا يعني التنازل عن الثوابت، أو السكوت عن الظلم، أو الاستسلام للعدو، إذ لكل قاعدة استثناء، ومنها استثناء حالة الاحتلال ضد الوطن.
4ـ الاستعداد للتنافس الحضاري:
إن ما شهده العالمين العربي والإسلامي من ردود فعل تجاه ما قامت به الصحف الغربية من تشويه لشخصية نبينا ومنها الدعوة لمقاطعة بضائع تلك الدول، أو ما سبق ذلك من مقاطعة للبضائع الأمريكية كرد على دعم أمريكا لإسرائيل المحتلة لفلسطين، هي مواقف احتجاجية مطلوبة ما دامت سلمية، ولكنها غير كافية لأنها قصيرة الأمد، ولا تؤدي إلى النتائج المطلوبة.
والمطلوب هو الاستعداد والعمل عن أجل تأهيل العالم الإسلامي كي يمتلك القدرة على التنافس الحضاري مع الغرب. والمقصود بذلك العمل على امتلاك أسرار التقدم الحضاري من صناعة وتقنية وتكنولوجيا واقتصاد ومعرفة ... وغير ذلك من علوم العصر.
إن ما يجعل الغرب يتجرأ على دعم أعدائنا، وتشويه مقدساتنا، والتجاسر على شخصية نبينا هو التخلف الحضاري الذي يعاني منه مسلمو اليوم في مختلف المجالات والأصعدة.
وبالرغم من الإمكانات الهائلة التي يمتلكها العالم الإسلامي في كل شيء، إلا أن ضعفه عائد إلى غياب التخطيط، وسوء التوزيع للثروات، وانعدام الحريات العامة، وعدم الاهتمام بالتصنيع في المجالات المتقدمة، مما سَهَّل على الغرب أن يفرض توجهاته السياسية والاقتصادية على بلاد المسلمين.
وكي نفرض احترامنا على الآخرين لابد من أن نبني أنفسنا علمياً، وننهض من سباتنا، ونعمل على تطوير صناعاتنا، ونبدع ونبتكر في مختلف الميادين والأصعدة، وهذا هو الرد الحقيقي على ما قام به الغرب طوال القرنين الماضيين ضد العالم الإسلامي.
أما ردود الأفعال الانفعالية تجاه كل حدث فلا يعدو كونه مؤقتاً بسخونة الحدث ثم يعود ما كان كما كان، مثل ما حدث مع مقاطعة البضائع الأمريكية احتجاجاً على الدعم اللامحدود لإسرائيل، ثم ضعفت تلك المقاطعة مع مرور الوقت، ونفس الكلام ينطبق على المقاطعة للبضائع الدنماركية أو غيرها، لكن هذا لا يعني أن المقاطعة ليست أمراً جيداً، بل هي أسلوب حضاري، فالأمريكان قاطعوا البضائع الفرنسية احتجاجاً على عدم دعم فرنسا لأمريكا في حربها على العراق؛ لكن المشكلة أنها مؤقتة وغير فعالة على المدى البعيد ما لم ترافقها خطة لتطوير الصناعة في المجتمعات المسلمة، وتوفير البدائل. ولذلك فالمفروض أن نضع الخطط، ونخطط للمستقبل، ونبحث عن أسرار التقدم العلمي والحضاري، ونبدأ في العمل الجاد من أجل اللحاق بقطار التقدم الهائل في هذا العصر، وبذلك نصنع البدائل، ونتحول من ردود الأفعال إلى صناعتها، ومن الانفعال المؤقت إلى الفعل الدائم، ومن الاستهلاك إلى الإنتاج، ومن الاستنكار إلى الإبداع.
فهل نحن فاعلون ؟!
ملاحظة: يمكنكم الاستماع للمحاضرة عبر الر ابط التالي:
http://www.alyousif.org/sound/36.wma
ـــــــــــــ
الهوامش:
1 ـ سورة الحجر: الآيتان 94و 95.
2 ـ سورة الحجر: الآيتان 94و 95.
3 ـ سورة الحجر: الآية 95.
4 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ الطبرسي، دار المعرفة، بيروت ، الطبعة الأولى 1406هـ ـ 1986م، ج 6، ص 533.
5 ـ سورة الحجر: الآية 95.
6 ـ الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، مؤسسة البعثة، بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ ـ 1992م، ج8، ص 107.
7 ـ سورة النحل: الآية 125.
8 ـ سورة البقرة: 256.
7/1/1427
اضف هذا الموضوع الى: