غلاف كتاب مائة سؤال وسؤال للأستاذ عقيل المسكين
|
يُعدُّ تشجيع المبدعين في مجال التأليف والكتابة من أفضل الوسائل لازدهار الثقافة ، ومضاعفة الإنتاج الثقافي في مختلف حقول المعرفة ، وتحفيز الإبداع والابتكار ،وإنماء الوعي المعرفي، وزيادة أعداد المؤلفين والكتاب المبدعين .
وأظن أن من أهم أشكال التشجيع للمؤلفين هو الحفاظ على حقوقهم ، وتقدير جهودهم ، ونشر إنتاجهم على أكبر مساحة ممكنة ، وترجمة ما يقدمونه من إبداع للأمم الأخرى ، وتقديم الجوائز المادية والمعنوية لكل مبدع خلاق .
ولكن مما يؤسف له حقاً هو غياب أي تشجيع يُذكر لأي مبدع في عالم التأليف والكتابة ، مما أدى إلى التراجع المريع في الثقافة والفكر ؛ فواقعنا الثقافي لا يتناسب مع تطلعاتنا للتقدم والتطور ، وقدرتنا على مواجهة المنتج الثقافي الغربي أصبحت محــدودة لا فتقارنا لأدوات المنافسة أو حتى الصمود في مواجهة التدفق الثقافي القادم إلينا عبر الإنترنت والقنوات الفضائية من دون انتظار أخذ إجازة من أحد !
ومن أهم عوامل التراجع الثقافي أيضاً في عالمينا العربي والإسلامي هو استباحة حقوق الملكية الفكرية، والاستهانة بحقوق المبدعين والمؤلفين والناشرين مما أدى إلى ضياع الحقوق ، وانتشار قراصنة الكتب والمنتجات الثقافية ؛ ونتج عن كل ذلك انحسار تيار الثقافة ، وضعف التوجه للإبداع في دنيا الفكر والعلم والمعرفة ، ووأد الإنتاج الثقافي المتميز .
أما في الغرب فلا زال للكتاب أهميته ومكانته ، وللمؤلف المبدع قيمته وتميزه؛ وذلك بفضل المحافظة على حقوق المؤلفين ، وكذلك الناشرين ، بل أصبح الحفاظ علــى ( حقوق الملكية الفكرية ) من أهم الأسس والعوامل الفاعلة لازدهار الثقافة ونمو الفكر والمعرفة في بلاد الغرب .
بل إن العولمة الثقافية أخذت تركز على عولمة ( حقوق الملكية الفكرية ) على مستوى العالم ، وأصبحت تدخل بقوة في مسار العلاقات الاقتصادية الدولية ، وذلك طبعاً للحفاظ على مصالح المنتجات الثقافية والعلمية الغربية في البلاد الأخرى .
و في السنوات الأخيرة أخذت كل الدول بما فيها الدول الإسلامية تهتم بإنشاء مكتبات وطنية لإبداع ما ينتجه المؤلفون فيها للحفاظ على حقوقهم الفكرية ، وهي خطوة مهمة وضرورية لكنها غير كافية إذا ما أردنا العمل على تحفيز الإبداع في مجال المعرفة والفكر والثقافة ، إذ يستلزم ذلك تأسيس مؤسسات ثقافية تُعنَى برعاية المؤلفين وتشجيعهم نحو المزيد من الإبداع والابتكار ، وتبني أعمالهم المتميزة من مختلف الأبعاد بما في ذلك الترجمة للغات المختلفة، والتعريف بهم ، وطبع أكبر كمية ممكنة من الأعمال الثقافية الإبداعية لتسويقها عالميا.
وإذا كان القانون الحديث قد وضع الضوابط والأطر القانونية للحفاظ على (حقوق الملكية الفكرية) بشكل واضح ، إلا أنه ينبغي القول إنه يمكن لخبراء قراصنة المنتجات الفكرية التحايل على كل القوانين، باستخدام أساليب المكر والدهاء والحيل وغيرها لتجاوز القوانين واختراقها .
ومن هنا يأتي أهمية معرفة الرأي الشرعي في مسألة ( حقوق الملكية الفكرية ) بما يتضمنه من حقوق المؤلفين والناشرين والموزعين . فرأي الشرع المقدس لكل مسلم صادق هو أفضل وسيلة لمنعه من ارتكاب أية مخالفة لحقوق الآخرين ؛ فالخوف من الله تعالى ، والالتزام بتعاليم الدين يمنع المؤمن من انتهاك حقوق الآخرين بما فيها (حقوق الملكية الفكرية ).
وتـأتي أهمية هذا الكتاب في أنه يوضح الرأي الشرعي في مسائل (حقوق الملكية الفكرية ) على طبق فتاوى المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي ( دام ظله ) والذي يعد أحد المراجع البارزين في وقتنا الحاضر وخصوصاً في منطقة الخليج حيث يرجع إليه الكثير من المؤمنين .
والمرجع الديني الكبير سماحة السيد صادق الشيرازي ( حفظه الله ) يتميز ـ ضمن ما يتميز به ـ بأخلاق رفيعة وراقية جداً ، حيث تتجسد فيه الأخلاق الإسلامية ، فتراه يتواضع لكل الناس ، ويحترم الكبير والصغير ، ويقبل على كل من يجالسه باهتمام، ويستمع بكل إنصات لكل من يتحدث إليه ، ويهتم بتقديم كل مساعدة وخدمة لكل محتاج .
كما أنه (دام ظله الشريف) واسع الصدر ، لين الجانب ، دائم الابتسامة ، حلو المعشر .كما تلمس فيه الزهد عن كل مباهج الدنيا وزخارفها . وقد عرف عن سماحته أيضا الورع الشديد ، والأخذ بالاحتياط في كل الأمور .
أما عن علمه فكتبه خير شاهد على غزارة علمه ؛ حيث أَلَّف أكثر من ثمانين كتاباً في مختلف العلوم الإسلامية وبالخصوص في علمي الفقه والأصول ، ففي الفقه له موسوعة استدلالية في شرح العروة الوثقى وتقع في عدة مجلدات وقد طبع منها كتاب (الاجتهاد والتقليد) ، كما له الكثير من الشروح العلمية على متن الكتب الفقهية المعروفة. وفي الأصول له موسوعة استدلالية تحت عنوان ( بيان الأصول) ويقع في 10 مجلدات . طبع منه ـ لحد الآن ـ كتاب ( لاضرر ولا ضرار في الإسلام ) وكتاب ( الاستصحاب ) في مجلدين ، وقد شهد له بالمتانة العلمية لهذه الكتب الأصولية كل من قرأها من أهل الاختصاص والفن .
وقد وفقني الله تعالى لحضور بحثه الخارج في الفقه مبحث ( الاجتهاد والتقليد ) بقم المقدسة لبعض الوقت في العامين 1422هـ و1423هـ ، كما استمعت لبحوثه في الأصول ، ويمكن القول بأن بحوثه ( حفظه الله ) تتميز بسهولة العبارة ، وبعمق الاستدلال ، واستعراض أكبر قدر من الأدلة ، والاستشهاد بكثير من الأمثلة مما يساعد طالب العلم على استيعاب المطالب بكل وضوح وتركيز .
وثمة أمر آخر يجب الالتفات إليه حين الحديث عن سماحة المرجع الديني المحقق السيد صادق الشيرازي ( دام ظله ) وهو اهتمامه الكبير بمسائل العقيدة ، والدفاع عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والتعريف بحقوقهم ومكانتهم في الإسلام . وقد ألّف في هذا الجانب الكثير من الكتب منها :
1-الإمام عليفي القرآن .(مجلدان)
2-فاطمة الزهراءفي القرآن.
3-المهدي(عجل الله فرجه الشريف) في القرآن.
4-المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في السنة.
5-أهل البيتفي القرآن.
6-حقائق عن الشيعة.
7-الشيعة في القرآن.
ومن خلال الاطلاع على هذه الكتب القيمة يجد القارئ الكريم اهتمام المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله) بالتأصيل للقضايا العَقَدِية ، و بيان أحقية أهل البيت بالإمامة ، والتعريف بهم (سلام الله عليهم) من خلال ماورد في حقهم في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
بقي أن نقول: إن هذه مجرد إشارات وملاحظات عابرة عن بعض جوانب شخصية سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) وإلا فإن الإحاطة بكل جوانب شخصيته (حفظه الله) مما يحتاج إلى كتابة الكثير من الصفحات عن سيرته المباركة.
وختاما: لابد من تقديم كل الشكر والتقدير لمعد هذا الكتاب الأخ العزيز الشاعر والكاتب الأديب الأستاذ/ عقيل المسكين على إبداعاته المتميزة ، ومنتجاته الثقافية الواعية. وقد وفق كثيرا في اختيار هذا الموضوع الهام في هذا الوقت بالذات لبيان الرأي الشرعي فيما يتعلق بمسائل (حقوق الملكية الفكرية).
فشكر الله مساعيه الثقافية، ووفقه للمزيد من العطاء والإنتاج الثقافي المتميز، سائلا المولى عز وجل أن يضاعف له الأجر والثواب ، وأن يجعل ذلك في ميزان أعماله ...إنه سميع مجيب الدعاء.
وآخر دعوانا أنٍ الحمد لله رب العالمين
عبدالله أحمد اليوســــــف
الأربعاء7ربيع الآخر1425هـ
26مايــــــــو2004م