بسم الله الرحمن الرحيم
إن مرحلة الشباب تعد من المراحل الخطرة التي يمر بها كل فرد أثناء حياته، ولها الكثير من المشاكل النفسية والتربوية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية، والمفروض أن جيل الشباب هو جيل العمل والإنتاج؛ لأنه جيل القوة والطاقة والمهارة والخبرة، فالشباب عادة ما يفكر في بناء أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية بالاعتماد على نفسه وتكوين كيانه الخاص، من خلال العمل والإنتاج.
كما تعتبر مرحلة الشباب المرحلة الخطرة في حياة الانسان لتشكيل الهوية والتعرف عليها. تلك المرحلة التي يبدأ الانسان بمحالة انتزاع هوية مستقلة لنفسه.. فيبدأ بالتمرد على القيود، يتشبث بالشرق والغرب، بالقريب والبعيد علّه يجد في ذلك نفسه.
فالشباب بالنسبة إلى البعض مطر غزير يجر أوساخ الماضي، يطهر فكره وقلبه من أفكار الطفولة، والتقاليد الباطلة.. ليهيئ نمو شخصية متزنة سليمة.
ولكنها بالنسبة الى آخرين .. سيل جارف يهدم الأخضر واليابس.. بل يهدم كل ما بناه الإنسان في صغره، من قيم تربوية ونصائح أبوية.. فتصبح نفسيته أرض مهالك لا تصلح لبناء أو زرع، فتكثر فيها العادات السيئة والأخلاق الفاسدة.
الشباب بالنسبة إلى البعض (faze) يمر بها شهوراً أو بضع سنين، يساعده في ذلك الأب المربي والأم الحنون والمعلم الفاضل، فيدلونه الطريق السليم فيستقيم فيه.
لكنها بالنسبة إلى البعض مرحلة لا يستطيع تجاوزها حتى نهاية عمره! يظل حائراً قلقاً لا يعرف عن نفسه شيئاً فتجده يناقض نفسه بنفسه.. يؤمن بفكرة ويكفر بها.. يدافع عن جماعة ويحاربهم.. قلبه مع شخص ولسانه عليه. فأصعب اختبار بالنسبة إلى البعض أن أمامه ورقة اختبار بسؤال واحد: عرف ما يلي: "أنت"؟
أن يطلب من الإنسان ان يكتب عن نفسه.. لا أقصد عن صفاته الظاهرية بل حقيقة شخصيته.. عن أفكاره .. عن معتقداته.. عن موقفنا في هذا العالم.. هل أنا مع الظالم أو المظلوم؟ هل أنا مع الدين او اللادين ؟ هل أنا ...
إن كثيراً من شبابنا اليوم - ولأسباب كثيرة جداً - صار يعيش التيه والضياع فلا يستطيع أن يضع تعريفاً واضحاً عن نفسه .. تعريفاً جامعاً للأفراد مانعاً للأضداد .. لا هو إنسان "شرقي" ولا "غربي".. لا إسلامي ولا علماني أو ليبرالي.. بل كل ذلك في آن واحد!
فشريحة الشباب و كما يقول سماحة الشيخ عبد الله اليوسف في كتابه القيم (( الشباب والثقافة المعاصرة: رؤية قرآنية في معالجة التحدي الثقافي )) " شريحة سريعة التأثر بكل ما يدور حولها من تطورات علمية و تكنلوجية و تقنية و معرفية و ثقافية، فهي الأسرع استجابة للمتغيرات، والأقدر على التفاعل مع كل جديد، والأكثر قدرة في التكيف مع المتغيرات الزمانية والمكانية".
إلا أن هذه التطورات والإنجازات العلمية بالرغم من الجانب الإيجابي فيها تحمل الكثير من المساوئ، فقد ساهمت هذه التقنيات بسلخ الهوية عن شبابنا، فشبابنا اليوم يعاني من أزمة كبيرة، فمن جهة انفصل عن ماضيه، عن تلك الهوية الثقافية المتينة ذات الجذور العميقة. فتمرد على الماضي وظن ذلك كله تخلفاً. فرمى بنفسه في أحضان الغرب.. أي غرب؟! تلك الصورة المزيفة عن الجنة الموعودة، التي وجدها في الأفلام والمسلسلات أو تلك التي روج لها في وسائل الإعلام فالتقطناه بطيبة . فصرنا منفصلين عن الماضي فضيعنا المستقبل.
وموضوع حديثنا اليوم كتاب في غاية الروعة خطه يراع سماحة الشيخ المفضال عبد الله اليوسف ليضع الإجابة فيه عن أهم الأسئلة التي تشغل بال كل مربي ومربية فهي تفرض نفسها بقوة:
كيف نستطيع أن نواكب هذا التحدي الثقافي والمعرفي؟
وكيف نحمي شبابنا من التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام والتقنية الحديثة؟
وما هي الأساليب والوسائل التي تستطيع من خلالها مواجهة أهداف وغايات الثقافة المادية الغربية المراد عولمتها؟
يجيب سماحته عن ذلك كله بمنهجية قرآنية في كتابه الموسوم " الشباب والثقافة المعاصرة رؤية قرآنية في معالجة التحدي الثقافي" الصادر في طبعته الثانية عن منشورات ضفاف في بيروت سنة 2013م، والواقع في 171 صفحة من الحجم الوسط.
والجميل في هذا الكتاب توزيع مواضيعه وتنوعها فتجد المقدمة التي كانت بمثابة المختصر المفيد الذي يجذب الشاب ويشوقه لمواصلة رحلة البحث في بحر هذا الكتاب القيم.
في الفصل الاول المعنون بـ: (مفاهيم ومصطلحات) يهدف الكاتب فيه، أن يصف مرحلة المراهقة وفقاً للمعنى الاصطلاحي واللغوي فيعرفه وفقاً للرؤية القرآنية بعد أن يلج في معناه عند علماء النفس، و هذا ما فعله في حديثه عن مرحلة الشباب. كذاك هو حال حديث سماحته عن الثقافة والملفت في هذا الفصل ما خلص إليه دام عطاءه في معنى الثقافة " فالثقافة في المصطلح الحديث تشمل كل ما يتصل بسلوك الإنسان وفلسفته وفكره، كما تشمل كل ما يتصل بسلوك المجتمع وفلسفته ونظرته تجاه الحياة"
أما الفصل الثاني فكان محلاً للحديث عن مصادر الثقافة المعاصرة ووسائلها وأهدافها وتأثيراتها، فيبين دور وسائل الإعلام المختلفة بالتأثير على شريحة الشباب، و تغيير قناعاتهم وأفكارهم، فضلاً عن خلخلة مقومات البناء الاجتماعي وصناعة الرأي العام و رسم ملامح السلوك و الأخلاق للجيل الجديد. وكعادته يقدم سماحته الحل الأمثل لمواجهة الإعلام الغربي بقوله " ولا يمكن مواجهة هذا التحدي الثقافي والإعلامي إلا بإيجاد وسائل إعلام هادفة وملتزمة بالثقافة الإسلامية ". بعدها يتحدث الكاتب عن "دور الانترنت" فهي (( تمثل مصدراً مهماً في تلقي الثقافة المعاصرة لجيل الشباب، ولأصبح الإقبال على هذه الشبكة من قبل الجيل الجديد يتضاعف يوماً بعد آخر)). فيبين مساوئ تلك الشبكة العنكبوتية بما تحتويه من مواقع إباحية واستخدام غير سليم لمواقع التواصل الاجتماعي.
والحل الأمثل في مواجهة هذه المساوئ نحتاج كما يبين سماحة الشيخ تنمية الوازع الديني عند الشباب ليكون بمثابة الرقيب الذاتي الذي يمنعه من الوقوع في المعاصي والموبقات والمحرمات.
أما المصدر الثالث للثقافة المعاصرة فهو الكتاب وبعد أن تكلم سماحته عن فضل العلم والتعلم تحدث سماحته عن "أهم الوسائل في التأثير على الشباب" فإرادة الغرب في تعميم رؤيته لكل بقاع الدنيا دعته للتركيز على مجموعة من الوسائل و الآليات للتأثير على جيل الشباب كتهييج الغرائز والشهوات وبث الصورة التي تحمل محتوى ثقافي ومعرفي ورسالة مراد إيصالها. ناهيك عن ثقافة الموضات و الصرعات الحديثة فسلخت الهوية بحجة مواكبة الموضة.
وفي هذا الفصل أيضاً يناقش الكاتب مجموعة من الأمور التي سعت الثقافة الغربية لغرزها في مجتمعاتنا واضعاً طرق الوقاية منها بأسلوب شيق وجميل يسانده القرآن و السنة.
في الفصل الثالث يتناول سماحته الرؤية القرآنية في معالجة التحدي الثقافي المعاصر فجعل هذا الفصل جواباً لسؤال مفاده " كيف يعالج القرآن الكريم آثار الثقافة المادية على الشباب؟ " فيتحدث عن الإرشادات القرآنية عبر محورين مهمين هما:
المحور الاول: أساليب وقائية.
المحور الثاني: أساليب علاجية.
ففي المحور الأول يبين سماحته الحلول الناجعة في الوقاية من أي أمراض ثقافية قد تؤدي إلى انحراف الإنسان وهي:
1- الارتباط بالله.
2- تزكية النفس.
3- تقوية الإرادة.
4- إعمال العقل.
5- الزواج المبكر.
6- صناعة خطاب ثقافي مميز.
أما أساليب العلاج "المحور الثاني" فيشتمل على الأساليب الآتية:
1- الرجوع الى الدين.
2- التوبة من كل ذنب.
3- تعديل الغرائز و الميول.
4- التركيز على عيوب الثقافة المادية.
5- إيجاد البدائل.
إن هذا الكتاب بالغ الأهمية على المستوى الثقافي والتربوي، يحتاجه الشاب المؤمن الرسالي في أداء دوره فضلاً عن حاجة كل مربي ومربية لمطالعته وجعله منهاج عملي لتربية الأبناء ومواجهة مشاكلهم.
وأتمنى لسماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف دوام التوفيق والعافية.