في سيرة الشيخ عبدالله اليوسف، تدهشك أشياء - سمات - عدّة، لا تجدها في سيرة كثير من مشايخنا الفكرية والعملية. أشياء تلفت النظر، بوهجها وسطوعها، على ساحتنا الإسلامية المحلية.
وقد كتبتُ قبل عدّة سنوات عن إعجابي الشديد بشخصية سماحة الشيخ عبدالله، ليس من باب الصداقة، والمعرفة. لأن لقاءاتي مع الشيخ عبدالله محدودة جداً. ولكنه يدهشني في كل لقاء، ويحفر في ذاكرتي، انطباعات رائعة. ولم أكتب من باب المجاملة للشيخ أيضاً، فلا أرتجي منه مالاً، ولا منصباً، ولا علاوة. بل إن كتاباتي منطلقة من معرفته الفكرية. أي من خلال عطائه الفكري الثر، ومن خلال محاضراته، ونشاطاته الدينية والاجتماعية المتعددة.
ما الذي يدهشني في شخصية الشيخ، وفي فكره، وفي سيرته. لعّل أول ما يلفت النظر في شخصيته، هو بعده عن الصراعات، والمناكفات الاجتماعية، والدينية، التي تدور في مجتمعاتنا. فلم أسمع منه يوماً، ولم يكتب، ولم يُنقل عنه أنه دخل في صراع يمزّق أواصر المحبة في داخل البيت الشيعي الواحد.
وهذه نقطة هامة جداً، فهناك وللأسف الشديد من جعل الصراع قوته اليومي، وجعل من التهكم، والتعدي على الآخرين، أسلوباً لحياته - بحجة تكليفه الشرعي - فمزّق وحدة المجتمع الشيعي. وما زال وإلى الآن البعض من هؤلاء، يصرّون على دخول تلك المعارك الوهمية، لإشعال العداوة والبغضاء، بين فئات المجتمع الواحد؛ لتمزيق وحدة المؤمنين الموالين. بل إن الشيخ عبدالله، كتب كتباً داعياً فيها إلى الوسطية، وعدم التطرف، واحترام الآخر. فكتب كتبه الرائعة (شرعية الاختلاف)، و(أفكار ستبقى ساخنة).
وهناك ثلاث من السمات المبهرة في سيرته الفكرية:
أولاً: احتضان الشباب. والكتابة لهم. فكتب كتباً عديدة، لتحصين الشباب المسلم من الانجرار نحو العادات السيئة، أو التقليد الأعمى للموجات الفكرية العابرة. من أجمل ما كتب (كيفية التعامل مع أولادك المراهقين)، و(الشخصية الناجحة)، و(تساؤلات الشباب الجديدة)، و(ثقافة العمل التطوعي) وغيرها من الكتب الجادة للعمل مع الشباب وتحصينهم.
وتشعر أن الشيخ عبدالله اليوسف، جعل من احتواء الشباب والمحافظة عليهم هماً له، بدلا من زرع الفتنة بينهم، على أساس من المناطقية، والفئوية، والعرقية، أو التقليد لمرجع دون آخر.
وهذا برنامج رسالي عال، وهدف سام وضعه الشيخ عبدالله اليوسف نصب عينه. ويسعى طوال يومه للوصول إلى غايته. فتراه يكتب، ويخطب، ويعود المرضى، ويصل رحمه، ويتزاور مع الشباب الذين هم رجال المستقبل.
ثانياً: تركيزه في كتاباته على سيرة الأئمة المعصومين . وكتبه العديدة عن أئمة الهدى، توضح هذا التوجه لديه. عمل الشيخ على كتابة سيرة الأئمة المعصومين ، بطريقة جديدة، وبأسلوب سلس، وبفكر نيّر، لا ينفر الناس وخاصة الشباب من هذه السيرة المباركة لهم . فكتب عن (أخلاقيات الرسول الأعظم) وعن (صلح الإمام الحسن) وعن (الإمام الحسين ومبدأ العدالة الاجتماعية) وعن (الإمام الباقر وتأسيس جامعة أهل البيت العلمية) وغيرها من عناوين كتبه، التي ركّزت على جوانب جديدة في حياة الأئمة .
ثالثاً: قدرة الشيخ عبدالله اليوسف - وهو يتحمل العديد من المهمات الشرعية الثقال، وخدمة المؤمنين - في تأليف هذا الكم الهائل من الكتب العلمية الراقية.
فمن عناوين الكتب، تجد التأصيل الجديد الذي يحاول الشيخ عبدالله أن يؤصله في مشروعه الثقافي. وإذا قرأت أي من كتبه، تجد المعلومة، والتحليل، والمناقشة، والاستنتاج العلمي. فهو من أغزر الكتّاب في المنطقة إنتاجاً وتأليفاً، ينتج إنتاجاً علمياً مفيداً. ومن خلال قراءتك لأحد كتبه، لا تجد أن همّه النشر والتأليف لأجل التأليف والنشر، بل تجد جهداً بحثياً جباراً قام به المؤلف حتى صدر الكتاب، وأصبح في يد القارئ.
ولا نستطيع أن نفي هذا الشيخ الجليل حقه. فهو على غاية في الزهد والورع والتقوى ومخافة الله. شيخ لا يتصدر الأحداث، لأجل الأضواء فقط. ولا يفتعل الصراعات بين أبناء المجتمع الواحد ليقتات عليها. بل رأيته، وسمعتُ عنه، وقرأتُ له ما يكفي لأن يُوضـع في مصـاف المشايـخ الكبار في المنطقة - وهو منهم - ويصنّف مـن كبار الكتَّاب في عالمنا الإسلامي - وهـو منهم - مستحقاً الاحترام والتبجيل، لمـا بذله مـن عمره الشريف - أطال الله بقاءه - في خدمة الدين والمجتمع.