عالم الدين، والموجه المربي، والأستاذ التربوي، له دور كبير في بناء شخصية الآخرين من خلال التوجيه والتشجيع، والتربية الروحية، والأخلاقية؛ وفي سيرة العلماء والأدباء القدماء والمعاصرين خير أنموذج حي لهذا العطاء المتواصل في الرقي بالمجتمع والصعود به إلى مراقي الكمال.
وهناك نماذج كثيرة من العلماء كان لهم دور كبير في التربية والتشجيع أمثال أستاذنا المربي الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي (رحمه الله) المعروف بالتشجيع لحركة التأليف والبحث في منطقتنا، حيث كان يشجع ويقدم للمؤلفين الشباب تقديمات للكتب.
وكذلك كان الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) يربي طلاب العلم على الفكر والثقافة والتتبع للمجالات العلمية، وكان له دور كبير في إحياء الحوزة العلمية، وأيضًا الفقيه البحراني الشيخ محمد أمين زين الدين (قدس سره) الذي كان له دور كبير في حوزة النجف بتخريج كوكبة لامعة من العلماء والكُتَّاب والمفكرين حيث كان يلقي عليهم دروس في الأدب والكتابة والعقائد.
وفي تجربة الفقيه السيد محمد الشيرازي (قدس سره) في تشجيع طلبة الحوزة على المنبر الحسيني، والانخراط في سلك الخطباء الحسينيين، وكذلك كان السيد الشيرازي (قدس سره) يشجع الطلبة على الكتابة والتأليف والنشر وطباعة المؤلفات، وتوزيعها على الشباب والمجتمع، وله اهتمام كبير بهذا الجانب الحي والمؤثر.
ومن هنا نقول: إن العالم المربي الواعي هو الذي يشجع ويقدم تجاربه لطلاب العلم وأهل المعرفة.
والتربية تحتاج إلى فن، وإبداع وحنكة خصوصاً أنك تتعامل مع طالب علم، وشاب واعد مقبل على الحياة العلمية والفكرية.
وفي هذا السياق نقدم لكم تجربة عايشتها عن قرب، وكان لها دور كبير في تشجيعي على الكتابة والتأليف والنشر .... وشخصيتنا في هذا السياق هو سماحة العلامة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف (حفظه الله) الكاتب الإسلامي المعروف، ومن خلال معايشتي له عن كثب أحببت الكتابة عن منهجه التربوي في التشجيع، والإشادة بهذا الجانب التربوي من خلال سيرة الشيخ الأخلاقية، ومن حيث معايشتي للشيخ الفاضل منذ سنوات طويلة، وتتلمذي عليه في دروس (الفقه العروة الوثقى) و(الأخلاق) في كتاب (منية المريد) مع مجموعة من الطلبة الكرام. أدركتُ أن لهذه الشخصية جانباً تربوياً مهماً للتشجيع ودفع طالب العلم إلى التأليف والكتابة والبحث، وأذكر من ضمن العلماء الذين كان لهم دور في تشجيعي للكتابة والتأليف أستاذنا المرحوم العلامة الدكتور الشيخ عبدالهادي الفضلي (رحمه الله) والعلامة الشيخ حسن الصفار(حفظه الله)، والعلامة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف الذي شجعني على الدخول في عالم الكتابة وإصدار الكتب والمؤلفات، ولا أنسى دوره في تعريفي لبعض النتاج المطبوع لأعلام الفكر والأدب والثقافة في العالم العربي والإسلامي، وكذلك له دور كبير في تشجيع مجموعة كبيرة من الشباب على مواصلة الدراسة، والتأليف، وكتابة المقالات الهادفة، وفي مجلسه العامر ببلدة (الحلة) في القطيف تجد الشباب يجلسون مع سماحة الشيخ اليوسف من مختلف المناطق، ويقوم بدور الموجه والمربي والمرشد بأخلاقيات العلماء الكرام، ويحثهم على التأليف والكتابة، ويهديهم مؤلفاته كطريق للوعي، وبث روح العلم، والمعرفة.
وأتذكر يحضر مجلسه العامر مجموعة كبيرة من شباب الأحساء والدمام والقطيف وسيهات وصفوى، ويقوم بدور المربي الجاد الفاعل، وله تواصل كبير مع مجموعة من كتَّاب ومؤلفي الأحساء الكرام، ويرسل لهم مؤلفاته المطبوعة عن طريق الإهداء، وله انفتاح كبير على فئة الشباب الواعد، لأن الشباب هم عماد المستقبل، وأتذكر ذهبنا له مع مجموعة من الأطفال الصغار في المرحلة الابتدائية من الأهل وقام جزاه الله خيراً بتشجيعهم على حب العلم، ومواصلة الدراسة، والتفوق العلمي في المدارس، وأصبح بعض هؤلاء الشباب من الجامعيين والأطباء والمهندسين بفضل جهود تشجيع الشيخ اليوسف على مواصلة الدراسة، والحث على العلم النافع.
وهذا من واجبات عالم الدين في الحوزة، والأستاذ المربي في المدارس، والشيخ عبدالله اليوسف من خلال سيرته وجهوده في تربية الشباب نجد ذلك واضحاً في كتاباته لفئة الشباب؛ لأن الشيخ اليوسف (حفظه الله) يفهم لغة الشباب من خلال الاحتكاك المباشر، وعالم الدين أو المصلح الاجتماعي إذا اقترب من الناس كان كواحد منهم ويكون أقرب لهم من العالم الذي يعيش بعيداً عن همومهم وتطلعاتهم المستقبلية، والكاتب الشيخ اليوسف (حفظه الله) بحكم وعيه الثقافي استطاع أن يدخل إلى عوالم الشباب من خلال الجلسات الثقافية والأدبية والنقاشات العلمية الهادفة، ويهدف الى بث الوعي الديني والثقافي من خلال الكلمة الطيبة، والأخلاق الحسنة تأسياً بسيرة أهل البيت وهذا هو المطلوب من العالم أو المفكر أو الأديب.
إننا في عالم مفتوح، ويحتاج من العالم الانفتاح على الآخرين وجذب جيل الشباب الواعد، ورصد حركة الواقع المعاصر بالتتبع، ومتابعة هموم الشباب والفتيات، وللشيخ اليوسف عدة كتابات ومؤلفات في هذا السياق حيث يخاطب الجيل المعاصر بكل أطيافه ومكوناته، ويطرح لهم الحلول الناجعة في سبيل التربية الصالحة.
والعلامة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف من خلال تتبعي لسيرته التربوية نجده يمثل عالم الدين العامل بكل إخلاص وتفانٍ من أجل النهوض بالشباب المسلم إلى الأعمال الصالحة، وخلق بيئة تهتم بالقيم والمبادئ، ويكون بين الناس كواحد منهم، وهذا هو المطلوب من كل عالم دين أو المصلح الاجتماعي، أو الأستاذ أو الأب الروحي... ونحن بحاجة إلى تشجيع الشباب والفتيات، ودفع الناس على حب الخير، والمشاركة في المجتمع، والمحافظة على السلوك السوي لبناء مجتمع أصيل، وهذا يأتي من خلال المحاضرات والكتابات والمنبر، والدخول في عالم الأجيال الواعدة، وفي تجربة الشيخ اليوسف محطات رائعة، ومواقف يشكر عليها لرفد الحركة العلمية والثقافية بالطرح العلمي الهادف، ورسم خطوط للشباب والفتيات عن طريق الكلمة الصادقة، ومكارم الأخلاق.
إن في تجارب العلماء والأدباء نفحات حيَّة، ومن يقرأ تجارب الشيخ محمد جواد مغنية وكتاب حياتي للأستاذ أحمد أمين وكذلك تجارب الشاعر الكبير الجواهري والشاعرة نازك الملائكة وتجربة الخطيب القدير الشيخ أحمد الوائلي يتعرف على عوالم فسيحة من خلال هؤلاء الرواد، ويصل إلى طريق العلم والأدب بمؤونة حية، ومؤثرة.
والكتابة عن التجارب علم جميل، له أصوله، وقواعده، ولو تبحث في تجارب العلماء والأدباء تتعرف على هذه المناهج التربوية للتعرف على حياة العلم والفكر والأدب الخلاق من خلال الكلمة الصادقة.
وفي ختام هذا المقال أشرنا إلى مفردة واحدة، وجانب مهم في حياة الشيخ عبدالله اليوسف الذي خدم المكتبة العربية والإسلامية بمؤلفاته النافعة، وكان من أصحاب الفضل في توجيه الشباب الواعد من منطلق المسؤولية الدينية والاجتماعية، ولنا وقفات أخرى في حياته كعالم وكاتب وأديب، ومفكر إسلامي (جزاه الله خيراً).