الإمام الشيرازي رائد الإصلاح والتجديد
محرر الموقع - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
يعتبر الإمام الشيرازي (قدس سره) شخصية متميزة بكل المعايير والمقاييس، فقد كان شخصية متعددة الأبعاد والجوانب؛ فقد جمع (قدس سره) بين التعمق في الفقه والأصول والتضلع في الفكر والثقافة، وجمع بين فهم السياسة ومعرفة الاقتصاد. كما زاوج بين العلم والعمل، والأصالة والمعاصرة، والقديم والجديد… ولذلك كله؛ لم يكن الإمام الشيرازي مجرد مرجع تقليد فحسب؛ بل كان -بالإضافة إلى ذلك- صاحب مشروع فكري وحضاري. كما أن الإمام الشيرازي لم يكن مجرد عالم فقط؛ وإنما كان عبقرياً بكل ما لكلمة العبقرية من معنى.
ويعتبر الإمام الشيرازي مؤسساً لمدرسة فكرية متميزة ومستنيرة، وقد تخرج من هذه المدرسة المتميزة العديد من الفقهاء والمجتهدين والعلماء والخطباء والكتاب المبدعين. وقد ساهمت هذه المدرسة الفكرية في زيادة مساحة التدين في المجتمع، وتعميق الوعي الديني لدى كل الشرائح الاجتماعية، واستقطاب الشرائح المؤثرة في المجتمع كشريحة المثقفين وشريحة الشباب والشبائب.
وقد استطاع الإمام الشيرازي بعلمه وعمله استقطاب العديد من أصحاب الكفاءات المتميزة والمستنيرة، كما استقطب كل ألوان الطيف الفكري والثقافي. وذلك لما تميز به سماحته من سمات شخصية مؤثرة، ومؤهلات قيادية قوية.
وقد حمل الإمام الشيرازي على عاتقه مسؤولية إنهاض الأمة من سباتها، وإنقاذها من براثن الجهل والتخلف والفقر.. وهذا ما جعله رائداً من رواد الإصلاح والتجديد بهدف بعث روح النهضة والإحياء والتقدم في المجتمع والأمة.
ولأن التجديد والإصلاح بحاجة إلى ثقة بالنفس، وصلابة في الموقف، وشجاعة في الجهر بالرأي ولو كان مخالفاً للمشهور أو السائد في الأوساط العلمية أو في الأعراف الاجتماعية؛ ولأن الإمام الشيرازي كان يتميز بمثل هذه المواصفات.. فقد كان واحداً من أبرز دعاة الإصلاح والتجديد في الفقه والأصول، كما في الأفكار والآراء، كما كان مجدداً في الحوزات العلمية، والمرجعية الدينية.
وبعد قراءة متأنية في مسألة التجديد في فكر الإمام الشيرازي (قدس سره) نستطيع الوصول إلى الاستنتاجات التالية:
1- إن ممارسة التجديد عملية شاقة ومُكلِفة ومضنية، ولكي يمتلك أي عالم أو مفكر القدرة على التجديد يحتاج أن تتوافر في شخصيته مجموعة من المواصفات الأساسية كالشجاعة الفائقة، والإرادة الصلبة، والثقة بالنفس، وبُعد النظر، وفهم العصر… والإمام الشيرازي كان يمتلك هذه المواصفات وهي التي ساهمت في قدرته على ممارسة التجديد رغم وعورة الطريق، وصعوبة الهدف.
2- إن الإمام الشيرازي كان يحمل راية التجديد والإصلاح منذ عقد الستينيات من القرن المنصرم عندما كان الجو السائد في الوسط الحوزوي آنئذٍ ضد تيار التجديد والتحديث بقوة. ومع ذلك استطاع الإمام الشيرازي أن يتجاوز كل العقبات، وأن يبني جيلاً من العلماء والمفكرين والمثقفين المتنورين ممن يؤمنون بالإصلاح والتجديد والتطوير. كما استطاع أن يؤسس تياراً جماهيرياً عريضاً في الأمة رغم العوائق التي اعترضت طريقه الإصلاحي.
3- لم يقتصر الإمام الشيرازي على إحداث التجديد في بعد واحد من الأبعاد بل شمل جميع الأبعاد كالتجديد في الفقه، والتجديد في الأفكار، والتجديد في الحوزات العلمية، والتجديد في المرجعية الدينية، والتجديد في وسائل وأساليب العمل الديني… وهو ما شكَّلَ انعطافة حقيقية في توجه الأمة، ومسيرة المجتمع، وإنماء الوعي لدى الناس.
4- إن مرجعية الإمام الشيرازي كانت متميزة ومثيرة في آن واحد، ومن المهم للغاية إخضاع هذه التجربة للمراجعة والتقويم الموضوعي، فهي كأي تجربة مرجعية أخرى يجب الاستفادة منها، وهذا يعني -فيما يعني- البناء على نقاط القوة فيها، وتلافي الثغرات والنواقص؛ وذلك بهدف تجديد وتطوير مؤسسة (المرجعية الدينية) لأن التجديد يجب أن يكون عملية مستمرة، ولا يصح أن يتوقف عند مرحلة معينة، بل يجب تنشيطه وتفعيله بما يخدم أهداف الإسلام وقضايا المسلمين.
5- إن الإمام الشيرازي ترك للأمة الإسلامية تراثاً علمياً ضخماً يزيد على الألف كتاب. ومن المفيد للغاية الانفتاح على هذا التراث، ودراسته دراسة موضوعية، والاستفادة منه في عملية الإنماء العَقَدي والفكري والعلمي. فتراث الإمام الشيرازي العلمي يحتوي على الكثير من الأفكار الجديدة، والنظريات الإبداعية، وهو بحاجة إلى المزيد من الدراسة العلمية والتقويم الموضوعي كي يمكن استثماره في عملية التجديد والإصلاح، كما في عملية الإنماء العلمي والمعرفي، والتوعية الثقافية.
6- إن مظاهر العبقرية، ومعالم العظمة سوف تتجلى أكثر وأكثر في شخصية وفكر الإمام الشيرازي مع مرور الأيام والسنين. وإذا كان البعض لم ينفتح على الإمام الشيرازي وفكره أيام حياته لسبب أو آخر، فإن الجميع مدعوون الآن للانفتاح على فكره الخلاّق، وعلمه الواسع بعد أن رحل من هذه الدنيا الفانية، ولم تعد أية حواجز أو أسباب أو حساسيات تحول دون الانفتاح على تراث وفكر الإمام الشيرازي الضخم والموسوعي.
فالعظماء على مر التاريخ -إلا نادراً- يعرفون أكثر وأكثر بعد مماتهم، أما في حياتهم فإنهم يعانون ألواناً مختلفة من ألوان التشكيك والتسقيط… وهذه هي مأساتنا كأمة، ولابد لنا أن نفكر في تغيير تعاملنا مع فقهائنا وعلمائنا وعظمائنا، فالأمة الواعية هي التي تحترم وتستفيد من عظمائها وعلمائها أحياءً وأمواتاً. أما الأمة المتخلفة فهي التي تحارب عظماءها عندما يكونون أحياءً، وإذا ماتوا أشادوا بهم وبعلمهم وبمكانتهم الرفيعة!




9/10/1427
اضف هذا الموضوع الى: