القديح: الشيخ اليوسف يحاضر عن مميزات شرح ابن ميثم البحراني لنهج البلاغة
استضاف «بيت الحكمة الثقافي» بالقديح مساء يوم الخميس ليلة الجمعة 25/ 02/ 1428 هـ سماحة الشيخ عبد الله اليوسف في محاضرة بعنوان «مميزات شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني»، وذلك في سياق المحاضرات التي يقيمها البيت آخر جمعة من كل شهر حول نهج البلاغة.
وتأتي مشاركة الشيخ اليوسف في هذه المحاضرة بعد مشاركته في المؤتمر الدولي الذي أقامته الجمهورية الإسلامية في إيران حول شخصية الفيلسوف والمفكّر الإسلامي الشيخ ابن ميثم البحراني (قده) من أعلام القرن السابع الهجري.
وقد تعرَّض سماحته في صدر المحاضرة لشخصية الشيخ البحراني بالإشارة إلى مكانته العلمية التي تشهد لها تلمذته على الخواجة نصير الدين الطوسي في الحكمة الإلهية وعلى المحقّق الحلي في العلوم الشرعية. وكذلك أستاذيته للخواجة الطوسي وللعلاّمة الحلي في الفقه والعلوم الشرعية، ويشهد لذلك الإجازة المطوّلة التي أجاز بها الشيخ البحراني تلميذه العلاّمة الحلّي.
ليشير الشيخ اليوسف بعد ذلك إلى أثر هذه المكانة والمنزلة العلمية على مؤلّفاته التي يعدّ من أشهرها شرحه لنهج البلاغة الشرح الذي يعدّه كثير من الباحثين والمحقّقين الأفضل من بين أكثر من مئتي شرح اهتمّت بنهج البلاغة.
بعد هذه المقدّمة العلمية تناول المحاضر بعض سمات ومميزات شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني، رتّبها في النقاط التالية:
الميزة الأولى: كثرة استشهاد المؤلّف بالآيات القرآنية
وذلك أثناء شرح أفكار ومناسبات وحيثيات الخطب والرسائل والكتب، وقد تتبع بعض الباحثين الآيات التي استشهد بها ابن ميثم البحراني في شرحه للنهج فأحصاها في 735 آية قرآنية.
وهذا يعزّز من قيمة الشرح الذي حاول فيه المؤلّف أن يربط بين كلام أمير المؤمنين ويطبّق كثيرًا من الآيات ومضمونها على كلامه .
الميزة الثانية: الثراء اللغوي والأدبي للمؤلّف
وقد كشف هذا الشرح ما يملك الشيخ البحراني من ثروة لغوية وأدبية وظّفها في شرح وبيان مقاصد مادّة نهج البلاغة، فقبل البدء بشرح الخطبة أو الكتاب يقوم الشيخ ابن ميثم بشرح المفردات التي تحتاج إلى بيان. وقد قدّم لذلك في مقدّمته العامّة للكتاب التي قسّمها إلى ثلاثة أقسام: الأول منها حول مباحث الألفاظ تناول فيه التعريف بالمصطلحات والتعابير التي سيتعرّض لها في ثنايا الشرح، وهو بحث لغوي، بينما خصّص القسم الثاني للحديث عن الخطابة في التراث العربي وأهميتها وأنواعها وموضوعاتها، وهو بحث أدبي. ليختم هذه المقدّمة بذكر فضائل أمير المؤمنين التي ذكرها المسلمون في مجاميعهم الحديثية.
الميزة الثالثة: اعتماد الشيخ ابن ميثم على النسخة الخطية للشريف الرضي
وهذه ميزة تعطي قيمة للشرح من الناحية التوثيقية والتاريخية، حيث يمكن نسبة الخطب والرسائل الواردة في الشرح لنفس الخطب والرسائل الواردة في أصل النهج الذي جمعه الشريف الرضي.
الميزة الرابعة: الإشارة إلى أسباب الخطب والكتب والرسائل التي ألقاها أو بعثها الإمام علي
وهي نقطة مهمّة في فهم ومعرفة الخلفية التاريخية والاجتماعية لبعض الخطب والرسائل والكلمات.
وقد كان الشيخ ابن ميثم متقصيًّا لهذه الأسباب ومتتبعًا لها، ومن ذلك تتبّعه للرسائل الجوابية التي يبعثها الإمام ، حيث يذكر أصل الرسالة التي يجب عنها الإمام قبل عرض شرح مضمون رسالة الإمام، وذلك ليجعل القارئ في جوّ وظروف جواب الإمام .
الميزة الخامسة: اتباع المنهجية العلمية في التأليف
وهذه تعتبر من مميزات الكتابة المعاصرة، وقد خالف ابن ميثم ـ في المنهج ـ الأسلوب القديم في التأليف والتصنيف، ذلك أن السمة الغالبة على المنهج القديم جانب الاسترسال دون العناية بالتقسيم والتفريع، وفي حال مناقشة مجموعة من الآراء عدم نسبة كل رأي إلى قائله، وقد خالف ابن ميثم البحراني هذه المنهجية باتباعه لمنهجية مغايرة، وقد برز ذلك في ثلاث نقاط:
1. نسبة الآراء إلى قائلها وفي أي كتاب ذكر هذا الرأي، وقد يشير الشيخ البحراني إلى سنة وفاة صاحب الرأي في حال كونه متوفى، وقد ساعد ذلك في التعرّف على أحد الشروح للنهج المفقودة الآن، وهو شرح قطب الدين الراوندي الذي ذكر الشيخ ابن ميثم شيئًا من شرحه على النهج. وبرز هذا الجانب أيضًا في شرحه للخطبة الشقشقية التي ينكر البعض صدورها عن الإمام ، حيث أشار إلى رجوعه لمصدرين ذكراها، وهذان المصدران لمؤلّفين توفيا قبل ولادة الشريف الرضي، مما يثبت صحّة نسبتها للإمام .
2. التفريع والتقسيم، حيث يكثر استعماله للتقسيم في الشرح، فتجده يكثر من التنقيط بِـ (أولاً) و(ثانيًا) و(ثالثًا)، وهذا التقسيم يساعد القارئ على فهم ومتابعة الشرح بشكل أكثر تنظيمًا.
3. المناقشة والترجيح: وهذه الميزة من سمات المنهج الحديث في البحث والتأليف، وقد أجادها المؤلّف، خصوصًا أنه لا يستبعد رأيًا دون آخر أو ينحاز لعرض رأي مدرسة دون أخرى.
الميزة السادسة: اشتماله على الكثير من العلوم والمعارف الإسلامية
بحيث يمكن القول بأن الشيخ ابن ميثم استطاع بحق أن يوظّف كثيرًا من العلوم التي أتقنها في شرحه للنهج، ومن هذه النقطة استفاد أكثر الباحثين من موسوعيته وسعة اطّلاعه.
الميزة الأخيرة: الاعتدال في الخطاب
حيث يعدّ الشيخ ابن ميثم من العلماء والمصلحين المعتدلين في خطابهم إنْ من حيث الأسلوب أو من حيث المضمون، فالشيخ البحراني في أسلوبه لم يستعمل كلمة جارحة أو مسيئة في حق شخص أو جماعة في جميع كتبه ومصنّفاته، ومن حيث المضمون حاول في شرحه أن يعرض لجميع الآراء دون أن يحصرها في المدرسة الإمامية، فهناك آراء لمدارس ومذاهب إسلامية أخرى، ما جعل شرحه للنهج أقرب للدراسة المقارنة.
مع أن الشيخ ابن ميثم عاش في عصر ظهرت فيه بعض الفتن المذهبية، إلا إنه لم ينسقْ معها، وتمسّك بمنهجيته في الاعتدال.

1/3/1428
اضف هذا الموضوع الى:
ماجستير في اللغة العربية- القديح