في حوار مع وكالة الأنباء القرآنية العالمية (IQNA)
الشيخ اليوسف: الدين بما يتضمنه من منظومة قيمية متكاملة قادر على التفاعل مع جميع المتغيرات الإيجابية
محرر الموقع - « أجرى الحوار/ الأستاذة: فاطمة سعيد » - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
أجرت الأستاذة/ فاطمة سعيد مراسلة و?اله الأنباء ألقرانية العالمية – ای?نا حواراً مع سماحة الشيخ عبدالله اليوسف حول موضوع فن العمارة الاسلامیة وبناءالمدن فی العالم الإسلامي وخصائص المدینة الإسلامية، هذا نصه:
س1/ ثمة من یری ان الحياة في المدينة تستلزم نوعا من الحياة اللادينية بسبب عصرنة الحیاة المدنية، إذن و إذا ما أخذنا هذا الواقع الاجتماعي بعين الاعتبار یطرح السؤال التالی نفسه: ما هو الحل بالنسبة للمجتمعات الإسلامية؟ وهل إن لهذه الحقيقة الاجتماعية مصاديق في مجتمعاتنا الحديثة؟ ثم ما هي الحلول الإسلامية للتعايش الأخلاقي مع هذه الحوادث الطارئة علی مجتمعاتنا النامية ؟
ج1/ المدينة عادة أكثر انفتاحاً من الريف، وتتأثر بصورة أكبر بالمتغيرات الزمانية، وتتفاعل مع كل جديد، لكن عصرنة الحياة لا يؤدي بالضرورة إلى الحياة اللادينية فيها إذ لا تلازم بين الأمرين، وإنما يخضع الأمر لمقدار المؤثرات الدينية أو غيرها، وانتشار الوعي الديني أو غيابه، لكن الشيء المؤكد أن المدينة بما تضمه من أعداد كبيرة من السكان، ومستويات متفاوتة من الوعي والثقافة، ووجود تيارات ثقافية وفكرية مختلفة، لا يمكن أن تكون باتجاه واحد، ولكن من الممكن أن تكون الغلبة للالتزام بالقيم الدينية والمثل الأخلاقية، أو للمفاهيم الليبرالية والغربية أو غيرها.
أما الحلول الإسلامية للتعايش الأخلاقي في المدينة فالأمر يتطلب الحكمة في الدعوة إلى القيم الأخلاقية كما في قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ومضاعفة العمل الديني لتوعية الأجيال المعاصرة بفوائد الالتزام بالدين، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا بالعمل الصالح كما في قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ .
كما أن من المهم التجديد في الخطاب الإسلامي، وإتقان عرض المفاهيم الإسلامية بلغة معاصرة بحيث يتفاعل معها الجيل المعاصر من الشباب ويتأثر بها، ويقتنع بما يقدمه الخطاب الإسلامي من مضمون قيمي ومفاهيمي للإسلام.
س2/ هل يم?ن للتعاليم الإسلامية أن تت?يف مع المجتمعات المدنية الحديثة ؟
ج2/ المطلوب أن تتكيف المجتمعات المدنية الحديثة مع التعاليم الإسلامية وليس العكس؛ ذلك لأن تعاليم الإسلام صالحة لكل زمان ومكان، وهي تتحدث عن القيم والأخلاق والمثل التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان ، فمثلاً الصدق حسن في نفسه، ومطلوب في كل زمان ومكان، ولا يمكن في يوم من الأيام أن يتحول الصدق إلى قبيح، أو الكذب إلى حسن، وهو ما يبحثه علماء الأصول ضمن قاعدة التحسين والتقبيح العقليين.
ثم إن تطور المجتمعات الحديثة من حيث الأدوات والأساليب والعمران ومختلف الأبعاد المدنية والحضارية مما لا يمانع فيه الإسلام؛ بل يحث عليه، وهي ترتبط بالجوانب المادية والمدنية في حياة الإنسان.
أما القيم والأخلاق والضوابط الدينية فهي من الأمور الثابتة، كما أنها ترتبط في الغالب بسلوك الإنسان وأخلاقياته، والتي يجب أن لا تتغير بالتطور المادي والعلمي.
س3/ هل يجب أن ت?ون الهندسة العمرانية في البلاد الإسلامية مقتبسة من الفن الإسلامي ولا غير ؟
ج3/ لا يجب ذلك؛ بل ينبغي الاستفادة من التقدم في الهندسة العمرانية الذي توصلت إليه البشرية في عالم اليوم، خصوصاً إذا علمنا أن التقدم العمراني كمنتج إنساني شأنه شأن باقي المنتجات الحديثة هي نتيجة تراكم معرفي إنساني ساهمت في إنتاجه مختلف الشعوب المتحضرة.
وقد كان للمسلمين دورهم الفاعل في التقدم العمراني طوال قرون، وقد استفادت المدنية الحديثة في الغرب من ذلك، وقد كان لبعض مظاهر وآثار العمارة الإسلامية في إيطاليا والأندلس - أي إسبانيا- تأثيرها في باقي البلاد الأوربية.
س4/ هل إن وجود المراقد و المزارات الدينية في مدينة ما بحد ذاته هو دليل علی إسلامية الهندسة العمرانية فی تل? المدينة ؟
ج4/ وجود المزارات والمراقد الدينية دليل قوي على إسلامية الهندسة العمرانية؛ لأن تلك الأماكن الدينية تتميز بفن العمارة الإسلامية، وكثرة الفنون الزخرفية والأشكال الهندسية المزينة بالآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، وهو مؤشر على اهتمام المهندسين المسلمين بإيجاد الأجواء الإسلامية والبيئة الدينية في تلك الأماكن الطاهرة، والتي تتناغم مع عقيدة المسلمين وإيمانهم العميق بذلك.
س5/ ?يف تقيمون هذه المقولة "إن الخصائص الخلقية و الثقافية الخاصة بالمجتمع الإسلامي لا يم?ن لها في الوقت الحاضر أن تطبق إلا في الحياة الريفية والمجتمعات القروية" ؟
ج5/ هذا غير صحيح، وكأن القائل بذلك يقول: إن الإسلام لا يصلح إلا للمجتمعات الأقل ثقافة ووعياً وتحضراً !، ولعلَّ هذا ناتج من الانبهار المطلق بالحضارة الغربية الحديثة، يقابله انهزم نفسي، واستلاب ثقافي للهوية الإسلامية.
والمشكلة أن بعض المتأثرين بالحضارة الغربية في بعدها المادي يعتبرون أن سبب التخلف هو الدين، وأن التقدم لا يمكن أن يتحقق إلا بالتخلص من الدين وأخلاقياته وضوابطه؛ وهذه مغالطة واضحة لا تحتاج إلى تفنيد أو استدلال على خطئها.
فالدين بما يتضمنه من ثوابت ومتغيرات، ومن مفاهيم وأخلاقيات، وبما يرمز إليه من منظومة قيمية متكاملة قادر على التفاعل مع جميع المتغيرات الإيجابية، بل والدفع نحو خلق المزيد من التقدم عبر الحث والتأكيد الشديد على التسلح بسلاح العلم والمعرفة.
ثم إن الخصائص الخلقية والثقافية يمكن تطبيقها في كل مكان وزمان، ولكن يحتاج المجتمع إلى إيجاد البيئة الملائمة، والأرضية الصالحة كي تنمو القيم الأخلاقية والخصائص الثقافية في ظلها.
س6/ البعض یری "إن عصرنة الهندسة المدنية و إتباع منهج عالمي موحد في هندسة بناء المدن هو بمثابة الإجهاز علی العمران الإسلامي ".. ما هو تحلیل?م ؟
ج6/ هندسة بناء المدن من الموضوعات الخارجية التي ليس للإسلام فيها حقيقة معينة، وهي من الأمور المتغيرة التي تخضع لمتغيرات الزمان والمكان، فتخطيط المدن يتطور باستمرار، ويُسهم العلم الحديث في تطوير بناء المدن بأفضل صورة معمارية حديثة.
لكن من الصعب اتباع منهج عالمي موحد في هندسة بناء المدن؛ لأنه توجد مؤثرات مناخية وبيئية وجغرافية تساهم في أشكال البناء والعمران، وتؤخذ بعين الاعتبار في هندسة بناء المدن.
أما العمران الإسلامي فيمكن الاستفادة من إيجابياته، وتطويره بما يتناسب مع التقدم العلمي الحديث، وفي كل الأحوال، ليس العمران الإسلامي أمراً جامداً، فمن يطلع على الآثار العمرانية طوال التاريخ الإسلامي سيجد متغيرات كثيرة قد صاحبت مسيرة العمران الإسلامي.
س7/ ما هي العوامل التي سببت تخلي العالم الإسلامي عن منهج العمران الإسلامي و اتباعه المثیر للقلق للأساليب الغربية في العمران و البناء ؟
ج7/ دائماً الحضارة الغالبة تترك بصماتها في كل شيء، فعندما كان المسلمون يحملون لواء الحضارة والتقدم تركوا بصماتهم الحضارية في كل أنحاء العالم بما فيها أوروبا، واليوم حيث أصبح المسلمون يعانون من التخلف العلمي والحضاري، وتقدم الغرب في ميادين العلم والتقنية والتكنولوجيا، أخذوا يؤثرون في كل شيء؛ بما فيه العمران والبناء.
لكنني لا أعتقد أن الاستفادة من المنجزات العلمية يثير القلق، بل هو مطلوب، كما أن المطلوب أيضاً الارتقاء بمجمعاتنا الإسلامية للتنافس العلمي والحضاري مع الغرب، كي نستطيع أن نسهم في صناعة التقدم والتحضر.
ما يثير القلق حقاً هو الشعور المتنامي عند المسلمين بالضعف الحضاري، واستلاب الهوية الثقافية، وتنامي الانهزام النفسي، وغياب الاهتمام بالبحث العلمي، وهو ما يجب أن يدعونا للعمل الدؤوب من أجل البناء والتقدم الحضاري/ يقول تعالى: ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً فمن يعمل ويتبع السنن سيحقق ما يريد، بغض النظر عن دينه ومعتقده. فالتقدم العلمي يخضع للقوانين الكونية التي وضعها الله عز وجل في هذا الكون، وقد أكد الإسلام على فضل العلم واكتسابه، والمطلوب من المسلمين تطبيق ذلك كي يتقدموا في كل شيء.
س 8/ ألا تعتقد أن عصر السرعة و ما ینتجه من تأثيرات علی العلاقات الاجتماعية في الحياة المدنية له الأثر في إضعاف التواصلات البشرية ؟
ج8/ طبيعة الحياة المعاصرة ساهمت في إضعاف التواصل الإنساني بين أفراد المجتمع الواحد، فضلاً عن المجتمعات الأخرى. ولولا ما يتميز به الإسلام من خصائص كصلاة الجماعة والمناسبات الدينية لأصبح التواصل المجتمعي في غاية الضعف.
وفي المقابل ساهمت أيضاً بعض الأدوات الحديثة كالهاتف النقال والإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال في تجسير الفجوة بين الناس.
ومع ذلك، أصبح الناس مشغولين بأعمالهم عن التواصل الاجتماعي، وفي المدينة تلحظ ذلك أكثر من القرى والأرياف التي حافظت بدرجة معينة على التواصل والتماسك الاجتماعي.

ـــــــــــــــ
ملاحظة: لقراءة الحوار من موقع وكالة الأنباء القرآنية العالمية (IQNA) اضغط على الرابط التالي:
http://iqna.ir/ar/news_detail.php?ProdID=404083
20/4/1430
اضف هذا الموضوع الى: