مؤكداً على أن الحاجة للدين تنبع من الحاجة لمعرفة حقائق الوجود الكبرى
الشيخ اليوسف: الأحكام الشرعية تابعة للملاكات والمناطات والمصالح والمفاسد
سماحة الشيخ عبدالله اليوسف متحدثاً للحضور (أرشيف)
سماحة الشيخ عبدالله اليوسف متحدثاً للحضور (أرشيف)

أكد سماحة الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف في خطبته ليوم الجمعة 7 جمادى الأولى 1436هـ الموافق 17 فبراير 2015م على الحاجة إلى الدين، وأنه لا يمكن للإنسان إلا أن يكون متدنياً بدين معين، يدفعه إلى ذلك الفطرة التي فطر عليها  ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ   لكنه قد ينحرف عن الفطرة السليمة بفعل عوامل عديدة كالوراثة والتربية الخاطئة واتباع الهوى والبيئة المنحرفة...وغيرها من العوامل والأسباب.

وأضاف سماحته قائلاً: إن الحاجة إلى الدين تنبع من الحاجة إلى  معرفة حقائق الوجود الكبرى؛ وأول هذه الحقائق وأعظمها الإيمان بوجود اللَّه تعالى، فبمعرفته وتوحيده -تبارك وتعالى- تنحل عقد الوجود، ويعرف الإنسان الغاية والهدف من وجوده، بما يساعده على أن يسير على نهج الصراط المستقيم.

وتابع بالقول: حاجة الإنسان إلى الدين أيضاً تأتي من حاجته لمعرفة حقيقة نفسه، ومعرفة حقائق الحياة، وسر الوجود، وفلسفة الكون.

وأوضح سماحة الشيخ اليوسف أن الإسلام كدين صالح لكل زمان ومكان، وأن القول بأن الإسلام لم يعد صالحاً لهذا الزمان ناتج إما من الجهل أو الغرور أو الانبهار بالحضارة المادية المعاصرة، وهو ما يؤدي بالإنسان إلى الهلاك في الآخرة؛ كما أشار لذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .

وفصّل سماحته القول في معنى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان بأن الدين الإسلامي يتكون من بعدين أساسيين وهما:

 البعد الأول- البعد الثابت: ونقصد به كل الأشياء أو الأمور التي لا تقبل التغير أو التبدل أو التجدد بمرور الزمن، فهي تتصف بالخلود والديمومة والثبات.. كالعقيدة، والعبادة؛ حيث لا تبديل ولا تغيير فيهما بمرور الزمان والمكان. فالعقيدة حقيقة ثابتة في ذاتها، ولا تقبل التغيير والتجديد مهما طال الزمن وتبدلت الأحوال، لأن طبيعة الموضوع تأبى ذلك. والعبادة هي الأخرى غير قابلة للتبديل والتغيير مهما تغير الزمن وتبدل، لأنها أمور توقيفية. فصلاة المغرب -مثلاً- ثلاث ركعات، وصلاة الصبح ركعتان، وستبقى كذلك إلى يوم القيامة. كما أن كيفيتها ثابتة أيضاً، إذ لا يمكن تقديم السجود على الركوع، ولا الجلوس على القيام، مهما تغير الزمن وتبدل، فالعبادات لا تقبل التغيير والتجديد بعد أن حُددت معالمها بصورة نهائية وحتمية وقطعية من قبل الشارع المقدس.

وأضاف سماحته قائلاً: من الأشياء التي لا تقبل التبديل والتغيير أيضاً: مبادئ الأخلاق الثابتة، والقيم الإنسانية الفاضلة. فالصدق -مثلاً- يبقى حسناً في ذاته، والكذب يبقى قبيحاً في ذاته، رغم تغير الزمان والمكان، فلا يمكن أن نتصور في يوم من الأيام أنه قد تحول الصدق من شيء حسن في ذاته إلى شيء سيئ في ذاته، أو أن الكذب قد تحول من شيء سيئ في ذاته إلى شيء حسن في ذاته!

ثم تحدث سماحته عن البعد الثاني وهو البعد المتغير ونقصد به كل الأشياء والأمور التي تقبل التغير والتبدل والتطور والتجدد، فقد يصلح شيء ما لزمن معين ولمكان معين، بينما قد يفقد صلاحية استمراره في زمن آخر، أو مكان آخر، أو فيهما معاً.

وأشار سماحته إلى أن المعاملات من الأمور التي تقبل التغير والتبدل والتطور تبعاً لتطور الزمان، وتغير المكان. وبتعبير آخر: الاجتهاد وفقاً للأصول والكليات والمناطات والملاكات العامة للتشريع الإسلامي.

واعتبر سماحته أن العادات والتقاليد من الأمور القابلة للتغيير والتجديد، وكذلك كل ما يرتبط بالحياة العامة من وسائل وأدوات وآليات مشروعة؛ فتبدل وسائل النقل والمواصلات من دواب إلى عربات إلى سيارات وطائرات وقطارات؛ وتبدل وسائل الإنارة من شمع إلى زيت إلى كهرباء؛ وتبدل وسائل الحصول على المعاش؛ وتبدل وسائل البناء، وكيفية البناء، وأنواع البناء والتعمير… كلها أمور مباحة؛ والإسلام يحث على مثل هذا التطور والتجدد، ويدعو إليه ويشجعه.

وشدد سماحته على أهمية معرفة العناصر الثابتة في الدين كالعبادات والعقائد؛ والعناصر المتحركة كالمعاملات والعادات؛ كي نستطيع أن ندرك أن الإسلام قادر على مواكبة تطورات الزمان، ومتغيرات المكان.

وبين سماحة الشيخ عبد الله اليوسف أن الإسلام عالج مسألة متغيرات الزمان والمكان، وأن تأثيرهما في استنباط الأحكام الشرعية يرجع تارة إلى جهة الموضوع وتارة أخرى إلى جهة الحكم.

واستطرد قائلاً: إن الأحكام الشرعية تابعة للملاكات والمناطات والمصالح والمفاسد، فإذا كان مناط الحكم معلوماً فالحكم دائر مدار مناطه وملاكه، فإن كان المناط باقياً فالحكم كذلك، وإذا تغير المناط تغير الحكم. فمثلاً: كان الفقهاء يفتون بحرمة بيع الدم بملاك عدم وجود منفعة عقلائية محللة له، فلما أصبح للدم منفعة عقلائية محللة، واكتشف العلم فائدته القصوى للمرضى المحتاجين لنقل الدم  إليهم أفتى الفقهاء بجواز بيعه وشرائه.... ونظائر هذا المثال في الفقه كثير.

وأوضح سماحته أن للزمان والحكام تأثيراً أيضاً في صدق الموضوعات، فقد يصدق موضوع ما على مورد في زمان ومكان ما ولا يصدق على ذلك المورد في زمان ومكان آخر. ومن المعلوم أنه إذا تغير الموضوع تغير الحكم تبعاً له.

وختم سماحة الشيخ اليوسف خطبته بالقول: إن الموازنة بين الثابت والمتغير، والمطلق والنسبي، والمقدس وغير المقدس، والحقيقة والنظرية.. هو الذي يجعل الإسلام قادراً على البقاء والخلود والاستمرار رغم مستجدات الزمان والمكان.

مؤكداً سماحته على أن فهم الثابت والمتغير من الدين، وكذلك الثابت والمتغير من الثقافة والاجتماع شيء مهم جداً، كي لا نقع في الخطأ المنطقي، وتختلط علينا المفاهيم والمصطلحات؛ إذ من خلال تحديد الثابت والمتغير بدقة نستطيع أن نطور حياتنا، ونجدد ثقافتنا بما يتلاءم مع متطلبات العصر، مع الالتزام بقيم الدين وتعاليمه. ومن كل ما تقدم نستطيع أن ندرك معنى: أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان.

 

اضف هذا الموضوع الى: