موضحاً شواهد من تجليات الرحمة في سيرة الرسول الأعظم(ص)
الشيخ اليوسف: نحتاج إلى تفعيل قيمة (الرحمة) في كل جوانب حياتنا الخاصة والعامة
سماحة الشيخ عبدالله اليوسف متحدثاً للحضور (أرشيف)
سماحة الشيخ عبدالله اليوسف متحدثاً للحضور (أرشيف)

تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة يوم الجمعة 20 ربيع الأول 1437هـ الموافق غرة يناير 2016م عن تجليات الرحمة في سيرة الرسول الأعظم حيث أفاض برحمته وعطفه وشفقته على كل ذي روح: على الإنسان، والحيوان، وحتى على النبات. فقد كان رحيماً بكل إنسان التقى به أو عاش معه أو جالسه أو صاحبه من مختلف الطبقات والشرائح: من الأحرار والعبيد، والشيوخ والأطفال، والرجال والنساء، والفقراء والضعفاء والمساكين.

وأضاف سماحته قائلاً: إن الرحمة صفة من صفات رسول الله ، وسمة من سماته البارزة، وعلامة من علاماته الفارقة؛ فقد جسّد قيمة الرحمة في جميع أبعاد حياته، قولاً وفعلاً، فهو المبعوث رحمة للعالمين ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ وقد وصف الرسول الأعظم نفسه بالرحمة قائلاً: «إنما أنا رحمة مهداة».

وأشار سماحته إلى أن الرحمة مبعث الخيرات، ومجمع الفضائل، ومنبع المحاسن؛ فكلمة الرحمة في لغة العرب تدل على الرأفة والصفح، والرقة والعفو والشفقة.

وذكر سماحة الشيخ اليوسف العديد من الشواهد والأمثلة من السيرة النبوية الدالة على رحمة رسول الله والتي ذكرتها كتب السيرة والتاريخ.

وبيّن سماحته أن من أروع المواقف الإنسانية الذي سجله التاريخ لنا، هو تعامل النبي  مع أهل مكة الذين أذاقوه  مختلف صنوف الأذى  والاضطهاد، ومع ذلك عندما استطاع المسلمون بقيادته فتح مكة والانتصار عليهم عفا رسول الإنسانية عن كل أهل مكة حتى الذين حاولوا قتله  أو قتلوا أعز أصحابه وأهل بيته.

إذ  لما فتح رسول الله مكة قال مخاطباً أهل مكة:

ما ترون أني فاعل بكم؟

قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم.

قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

وقال سماحته:  لم تقتصر رحمة رسول الله بأصحابه وأهله وعشيرته، وإنما امتدت حتى لأعدائه، فقد روي أنه لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقاً شديداً، وقالوا: لو دعوت عليهم؟

فقال: «إني لم أبعث لعاناً ولكني بعثت داعيا ورحمة، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون». إن النبي يرفض استخدام حتى وسيلة الدعاء على الكفار والمشركين،  لأن النبي كان هدفه هدايتهم إلى الحق وليس القضاء عليهم، فالذين أسلموا كانوا قبل ذلك من الكفار.

وأوضح سماحة الشيخ اليوسف جانب آخر من جوانب رحمة رسول الله بأزواجه؛ إذ اتصف بالرفق والرحمة والرقة واللين في تعامله مع أزواجه وأهل بيته، فعن أنس بن مالك قال: « ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله ».

ويحدثنا التاريخ أن الرسول الأعظم لم يضرب يوماً ما زوجة من زوجاته، أو يسيىء إلى إحداهن، مع أن بعضهن قد أخطأن في حقه، وربما تجاوزن حدود الأدب والرصانة واللياقة، ومع ذلك كان يعفو ويصفح، وربما ابتسم، أو لم يجب بشيء!

وقد حث الرسول الأعظم على الرحمة و الرفق بالعيال، فقد روي عنه أنه قال: «إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق».

ومن جهة أخرى أشار سماحة الشيخ اليوسف إلى رحمة الرسول الأعظم بالأولاد والأطفال؛ فقد  روي أن رسول الله لما قبّل الحسن والحسين  فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت واحدا منهم.

فقال له الرسول الأكرم: ما عليَّ إن نزع الله الرحمة منك!

وتابع قائلاً: من عطف النبي على الأطفال ورحمته بهم أنه  كان يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة، أو يسميه، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمة لأهله، فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول فيقول : لا تزرموا بالصبي فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته ويبلغ سرور أهله فيه ولا يرون أنه يتأذى ببول صبيهم فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده.

ولفت سماحته إلى أن هذا يدل على أهمية توفير الحب والعطف والشفقة  والحنان للأطفال، إذ أن لذلك أثراً بالغاً في تكامل شخصية الطفل، وفي زيادة الثقة بالنفس، وفي تفتح القدرات العقلية ونموها، وفي خلق التوازن في نفسية الطفل، واستقـرار الحالة الأخلاقية لديه.

وشدد سماحته على أننا اليوم أحوج ما نكون إلى تفعيل قيمة الرحمة في جميع أبعاد حياتنا الخاصة والعامة، فنرحم بعضنا بعضاً، ونتعامل مع بعض برحمة وعطف ورأفة وشفقة بعيداً عن القسوة والغلظة التي تفسد العلاقات الاجتماعية العامة، وتدمر المجتمعات الإنسانية، وتؤدي إلى خلل في المنظومة الأخلاقية والقيمية.

وقال سماحته: إن الإنسان من دون رحمة يتحول إلى وحش كاسر لا يرعى حرمة لأحد، ولا يبالي بأية أخلاق أو قيم، وما تقوم به بعض الجماعات المتطرفة والإرهابية من أعمال وحشية وإرهابية في مختلف البلدان إنما هو نتيجة لاتباعها أسلوب القسوة والغلظة والفظاظة والعنف مما شوّه صورة الإسلام السمحاء أمام الرأي العام العالمي، وأعطى انطباعاً خاطئاً بسببها عن أخلاق الإسلام وقيمه العظيمة.

وختم سماحته الخطبة بأنه على كل مقتد بسيرة رسول الله أن يكون ملتزماً بقيمة الرحمة والعطف والرأفة والشفقة على كل ذي روح كما كان رسول الله يفيض رحمة على كل من حوله، فليكن شعارنا كمسلمين (الرحمة) والعمل بمبدأ (الرحمة) وتفعيل قيمة (الرحمة) في كل جوانب حياتنا الخاصة والعامة.


 

اضف هذا الموضوع الى: