مشدداً على أن الغيبة معول هدم في كيان المجتمع وتفكيكه
الشيخ اليوسف: الغيبة انتهاك للأعراض والكرامات والشخصيات المعتبرة

شدد سماحة الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة الجمعة 9 جمادى الآخرة 1437هـ الموافق 18 مارس 2016م على حرمة الغيبة، وأنها من كبائر الذنوب والآثام، لما لها من آثار سيئة ومساوئ كبيرة في هدم كيان المجتمع وتدميره، وتفكيك أواصر المحبة والأخوة بين أفراد المجتمع الواحد، وإشاعة روح البغضاء والفرقة والكراهية بين الناس.

وأضاف سماحته قائلاً: كما حرم الإسلام الاعتداء المادي على الآخرين، حرم الاعتداء المعنوي عليهم أيضاً، فالحط من المؤمنين أو انتقاصهم أو المس بأعراضهم حرام أيضاً، وهو انتهاك صريح للأعراض والكرامات والشخصيات المعتبرة شرعاً.

وأكد سماحته على أن مساوىء الغيبة لا تقتصر آثارها وأضرارها على الأشخاص، بل تتعدى ذلك لتفكيك المجتمع، وتدمير عوامل القوة فيه، وخلق بذور الفتنة والشك والفرقة بين أبنائه بما يضعف قوة المجتمع وتماسكه.

وعرّف سماحته الغيبة بأنها: ذكر المؤمن المعين بما يكره، سواء أكان ذلك في خَلْقه أو خُلُقه، أو مختصاته؛ من غير فرق بين أن يكون ذلك باللسان أو الفعل، بالكتابة أو التصريح، أو التلميح.
وقد حدد الرسول الأكرم الغيبة بقوله: « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ».

فلو قلتَ في أخيك المؤمن أنه: غضوب، أو زعول، أو قليل الفهم، أو متكبر، أو جبان، أو أناني، أو أحمق، أو مغرور، أو ... كان غيبة وتنقيصاً لأنه يكره هذا الكلام، ويعده إهانة له.

وأوضح سماحة الشيخ اليوسف أنه لبشاعة الغيبة فقد شبّه القرآن الكريم المغتاب بآكل لحم الميت، يقول تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ   لأن الغيبة هتك لحرمة المؤمن ومكانته، وإهانة لكرامة الناس وأعراضهم.


وتابع سماحته قائلاً: بالإضافة لما ورد في القرآن الكريم من حرمة الغيبة وذمها، فقد جاءت الأحاديث الشريفة متواترة ومتكاثرة في حرمة الغيبة وبيان مساوئها وآثارها السلبية، والتحذير من الوقوع فيها، ومنها:

ما روي عن رسول الله أنه قال: «الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الآكلة في جوفه ».

وقال أيضاً: «إياكم والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا، إن الرجل يزني فيتوب، فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها ».

وقال الإمام علي بن الحسين : « إياكم والغيبة، فإنها إدام من يأكل لحوم الناس ».

وقال الإمام الصادق : « من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروءته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان ».

وبيّن سماحته أن هذه الأحاديث الشريفة وغيرها من الأحاديث والروايات الواردة عن رسول الله وأئمة أهل البيت الأطهار تدل على أن الغيبة من أخس السجايا، وأقبح الذمائم، وأعظم الآثام والذنوب، فعلى المؤمن الحذر من الوقوع فيها، أو الاستماع إلى المغتاب، أو مجاراة المغتاب في غيبته فإن في ذلك مشاركة في الإثم، وارتكاب الذنب.

وأشار سماحة الشيخ عبدالله اليوسف إلى ضرورة الفرار من مجالس الغيبة، فإذا ما جلس الإنسان في مجلس تمارس فيه جريمة الغيبة فعليه أن يستنكر ذلك بلسانه، ويدافع عن حرمة المؤمن ويرد عنه الغيبة حفظاً لكرامته ومكانته، فقد روى الإمام الصادق قال: قال رسول الله : « من رد عن عرض أخيه المسلم وجبت له الجنة البتة » . وإذا لم يستطع ذلك فعليه الخروج من المجلس فوراً حتى لا يشارك في ارتكاب معصية الغيبة.

وذكر سماحته بعض مسوغات الغيبة، بيد أن للغيبة المحرمة استثناءات ومسوغات يجوز فيها الغيبة إذا توقف عليها غرض وجيه، أو بيان حق ورد باطل، وقد ذكر الفقهاء مجموعة من مسوغات الغيبة، ومنها: المتجاهر بالفسق والفجور، فمثل هذا الشخص هو الذي هتك نفسه بالتجاهر بالمعصية، فتسقط حرمة غيبته ما دام هو يتجاهر بالمعاصي التي يقترفها.

كما استثنى الفقهاء في مسوغات الغيبة حالة نُصح المستشير في القضايا المهمة، كما لو استشارك أحد في اختيار زوجة او زوج، يجوز لك ذكر العيوب التي تعرفها.

كما يجوز القدح في المقالات الفاسدة، والادعاءات الباطلة كمن ادعى الاجتهاد وهو ليس بمجتهد، أو ادعى أهليته للمرجعية وهو فاقد لشروطها ونحو ذلك.

وختم سماحته الخطبة بالحديث عن كفارة الغيبة إذ يجب على الإنسان أولاً أن يندم على ما اقترفه من غيبة للمؤمنين، والتوبة من آثامها، وعدم العودة إليها.

ثم عليه أن يذهب إلى من اغتابه ويطلب التحلل منه وإبراء ذمته فإن عفى وصفح فبها، وأما إن كان إخباره يسبب إزعاجاً شديداً له أو يخلق فتنة جديدة فعليه بالاستغفار له في السر وتحسين سمعته بين من ذكره بينهم بسوء.

 وأما إذا كان المستغاب ميتاً فيجب الاستغفار له، وطلب العفو من الله تعالى؛ فعن أبي عبدالله الصادق قال: سُئل النبي : ما كفارة الاغتياب؟

قال : « تستغفر الله عمن اغتبته كلما ذكرته »  أي تستغفر الله له كلما ذكرت المستغاب تكفيراً عن اغتيابه.

 

 

 


 

اضف هذا الموضوع الى: