الإسلام ومنهج اللاعنف
الشيخ عبدالله اليوسف - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
يربي الإسلام أتباعه على اتباع منهج التسامح والرحمة ، والتحلي بالأخلاقيات والآداب الحسنة ، واحترام حقوق الآخر المعنوية والمادية . وقد كان لهذا المنهج أثره الكبير في إقناع الكثير من الكفار والمشركين في اعتناق دين الإسلام ؛ ومن ثم تحول هؤلاء إلى مدافعين عن قيم الإسلام ومبادئه باعتباره الدين الحق والخاتم .
والقارئ المتأمل لآيات القرآن الكريم يجد الكثير من الآيات الشريفة التي تدعو للتسامح والصفح واللين والعفو والسلم واحترام حقوق الآخر حتى وإن كان كافراً .
فمن آيات العفو قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199] ومن آيات السلم قوله تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنفال:61] ومن آيات الصفح قوله تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الزخرف:89] ومن الآيات التي تدعو لاحترام عقائد الآخرين حتى ولو كانت فاسدة غير صحيحة قوله تعالى : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين)[البقرة: الآية256] إذ أن الأمور الاعتقادية تحتاج إلى قناعة قلبية ، ولا أثر للإكراه أو الضغط على القلب ، علما بأن احترام عقائد المخالف في الدين لايعني القبول بعقيدته ، وإنما المقصود حفظ حقوق أهل الذمة في بلاد المسلمين التي تكفل الإسلام بحفظها لهم .
وفي آية أخرى يدعو القرآن الكريم المؤمنين إلى عدم سب الكافرين حتى لايتجرؤوا على سب الله عز وجل ، يقول تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ )[الأنعام: الآية108]
هذه الآيات الشريفة كلها تدعو إلى العفو والصفح والتسامح والجنوح إلى السلم والسلام ، وبالمفهوم ـ حسب مصطلح المناطقة ـ فإنها تدعو إلى اللاعنف سواء تجاه الذات أو الآخر المخالف ولو كان من خارج الدائرة الإسلامية .
لقد انتشر الإسلام بمنهج الأخلاق الراقية ، وبمفردات التسامح والتراحم والمحبة واحترام الحقوق المعنوية والمادية حتى للمخالفين من الديانات الأخرى .
وفي سيرة النبي الأكرم نجد الرحمة والرأفة واللين في التعامل حتى مع أعدائه . بل أنه يرفض حتى الدعاء على المشركين ، فقد ورد أنه قيل يا رسول الله : ادع على المشركين . فقال : ( إني لم أبعث لعاناً ، وإنما بعثت رحمة) .
والمتعمق في سيرة النبي يجد أنه لم يتوسل ولا مرة واحدة بوسيلة غير مشروعة ، إذ أن صلاح الأهداف لا يبرر فساد الوسائل . إذ أن الغاية لاتبرر الوسيلة .
بل نجد في سيرة النبي حتى في الغزوات التي خاضها ضد الكفار والمشركين كان يوصي أصحابه بضرورة الالتزام بأخلاقيات الحرب ، وعدم جواز استخدام الوسائل والأساليب غير الأخلاقية من قبيل : التمثيل بالقتلى، وقتل الشيوخ والأطفال والنساء ، بل ينهى حتى عن قطع الشجر إلا في حال الضرورة القصوى .
إن منهج الإسلام يقوم على نبذ العنف ضد الأنا وضد الآخر المخالف ، ويدعو للحوار والجدال بالتي هي أحسن ، والالتزام بأخلاقيات الإسلام في كل الأوقات والظروف .
وما تلجأ إليه اليوم بعض الحركات والتيارات السياسية من اتباع منهج العنف من أجل تحقيق أهدافها يتعارض بصورة قطعية مع مبادئ الإسلام وقيمه وأخلاقياته .
إذ ليس من الإسلام في شيء ممارسة أية أعمال إرهابية في بلاد المسلمين أو حتى في بلاد غير المسلمين ، ولا يجوز القيام بأية أعمال يرفضها الشرع المقدس ضد الكفار أو غيرهم من قبيل : الاختطاف والاحتجاز والقتل والتمثيل بالقتلى تحت أية ذرائع أو حجج ، فإن كل ذلك ـ بالإضافة لحرمته في الإسلام ـ يشوه صورة الإسلام في نظر الآخر ، كما أنه يمس أمن المجتمع ، ويؤثر على البنية الاقتصادية لبلاد المسلمين ... وغير ذلك كثير .
إن على كل من يقوم بمثل هذه الأعمال الإرهابية أن يستفيد من تجارب الحركات الأخرى في البلاد الإسلامية وغيرها ممن اتخذت أساليب عنيفة وإرهابية ، إذ أنها إما فشلت في الوصول لأهدافها أو وصلت لطريق مسدود . كما أن الثمن الذي دفعته تلك التيارات كان باهضاً للغاية، ومع ذلك لم تحقق أهدافها كما هو واضح لكل مراقب للأحداث التي وقعت وتقع في غير بلد من بلاد المسلمين .
وهنا نختم القول بضرورة التركيز على تفنيد البنية الفكرية التي يرتكز عليها دعاة العنف ، إذ أن هؤلاء يستندون في أعمالهم الإجرامية إلى الفهم الخاطئ والتفسير الانتقائي لنصوص الإسلام ، ولذلك لا بد من مضاعفة العمل الفكري المؤصل عقديا وفقهيا من أجل توضيح ونشر منهج الإسلام الأصيل القائم على التسامح والرحمة واحترام حقوق الآخرين . وضرورة غرس هذه المفردات الإسلامية في نفوس وعقول الأجيال المعاصرة .
29/12/1425
اضف هذا الموضوع الى: