شهر رمضان غذاء للروح والجسم
الشيخ عبدالله اليوسف - 14 / 6 / 2016م - 4:44 ص

أوجب الله سبحانه وتعالى فريضة الصيام على عباده لأهداف وغايات نبيلة ومفيدة ومهمة، فالصوم امتحان لالتزام العبد بما أمره الله تعالى، وبذلك تتجلى فلسفة طاعة العبد لمولاه، والمخلوق لخالقه. يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [1] .

وبالصوم يهذب الإنسان روحه، وتسمو نفسه، ويبني إرادته، وينمي عقله، ويقوي جسمه، ويرتقي نحو عالم الكمال المعنوي والروحي، ويتجرد من شهواته ورغباته المادية البحتة.

و شهر رمضان موسم للعبادة، حيث أنه أفضل الشهور، ولياليه أفضل الليالي، وأيامه أفضل الأيام، وساعاته أفضل الساعات، والحسنات فيه مضاعفة، وأبواب الجنان فيه مفتحة، والأعمال فيه مقبولة، والدعاء فيه مستجاب.

فعندما يصوم الإنسان تصفو نفسه، ويزداد تقرباً من اللَّه عزّ وجلّ، مما يساعده على أداء العبادات بتجرد وإخلاص ولذة معنوية لا يجدها إلا في هذا الشهر المبارك.

إننا مدعوون في هذا الشهر الكريم إلى مضاعفة العبادات، والإكثار من المستحبات، وتلاوة القرآن الحكيم، وإحياء الليل بالدعاء والتهجد والصلاة، وفي النهار الامتناع عن كل ما يؤثر على الصوم من المفطرات المادية والمعنوية.

ورمضان شهر المغفرة، وعلينا الإكثار من الاستغفار والتوبة فيه، إذ لا يستطيع أي واحد منا أن يجزم بأنه لم يرتكب ذنوباً في حياته، فهذا الجزم لا يليق إلا بالمعصومين -سلام اللَّه عليهم أجمعين-، أما غيرهم فمعرضون في كل لحظة لارتكاب الذنوب والأخطاء.

ولا سبيل للخلاص من العقوبة المترتبة على اقتراف تلك الذنوب والمعاصي إلا بالاستغفار والتوبة إلى اللَّه توبة نصوحاً. يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [2] .

وأفضل وقت للاستغفار من الذنوب هو شهر رمضان، حيث تتضاعف فيه المغفرة، وتقبل فيه التوبة، وتمحى فيه السيئات، وترفع فيه الدرجات.

أما عن بناء الجسم فقد أثبت العلم الحديث الكثير من الفوائد الصحية للصيام، ومع التقدم العلمي الهائل الذي يشهده علم الطب، يكتشف الأطباء يوماً بعد آخر فوائد جديدة للصوم، وقد أشار الرسول قبل قرون من الزمن إلى فوائد الصيام الصحية في مقولته البليغة: (( صوموا تصحوا ))[3]  ويقول الإمام علي: (( الصيام أحد الصحتين ))[4] .

وجاء العلم الحديث ليؤكد ذلك، فالصوم -كما ثبت علمياً- يريح جميع الأجهزة والأنسجة والخلايا والغدد والأعصاب والأجزاء والأوردة والشرايين من الإنهاك والارتباك الحادثين بسبب الاستمرار في العمل المتواصل ليل ونهار؛ وليس معنى ذلك أنها تقف عن العمل، بل معناه أنها تبطئ في العمل لتأخذ راحتها وتنفس عن متاعبها وبذلك يكون الصوم وقاية عن الضعف والاحتقان والتضخم والتخمة والامتلاء.

فيطول العمر، وينشط الجسم، ويستريح الإنسان من الترهل والكسل، ويبتعد عن الأمراض والأوجاع.

كما أن الصوم يساعد على نشاط الفكر، ويقظة الذهن، وحدة الفطنة، وإرهاف الذكاء.

وشهر رمضان بمثابة مدرسة لتربية (( الإرادة الإنسانية )) فطوال ثلاثين يوماً يمتنع الإنسان -وبإرادته واختياره- عن الأكل والشرب، وعن القبائح والرذائل، وعن اللغو واللَّهو.. وهذه المدة الزمنية كافية لتربية الإرادة، وتقويتها، وشحذها بالقوة والصلابة.

وعندما تقوى إرادة الإنسان وعزيمته، يتحرر من عبودية الأهواء والشهوات والغرائز، فلا يخضع لشهوة جامحة، ولا يركع لغريزة طافحة، ولا يتنازل عن مبادئه وقيمه في سبيل مصالحه وأهوائه.

والصوم من أفضل الوسائل في بناء العقل وتنميته، لأنه ينمي (( الصفاء العقلي )) الذي هو مقدمة لاستيعاب حقول المعرفة والعلم، وهي بدورها تشكل الغذاء الأساس للعقل.

وبالإضافة إلى أن الصوم يورث العلم والمعرفة والحكمة، فإنه يورث (( يقظة عقلية )) للكثير من الغافلين عن ذكر اللَّه، وعن الالتزام بأوامره، والاجتناب عن نواهيه، فيكون شهر رمضان بذلك بداية جديدة في حياة الكثير من الناس.

الهوامش:
[1] سورة البقرة، الآية: 183.
[2] سورة التحريم، الآية: 8.
[3] البحار، ج93، ص255، رقم 33.
[4]  ميزان الحكمة، ج5، ص468، رقم 10628.
اضف هذا الموضوع الى: