مشدداً على أهمية تأهيل الأطفال نفسياً وعقلياً لمرحلة البلوغ
الشيخ اليوسف: اجعلوا من يوم بلوغ أطفالكم يوم عيد لهم
سماحة الشيخ عبداللله اليوسف يتحدث للمصلين
سماحة الشيخ عبداللله اليوسف يتحدث للمصلين

تحدث سماحة الشيخ الدكتور عبدالله اليوسف في خطبة الجمعة 26 جمادى الأولى 1438هـ الموافق 24 فبراير 2017م عن مرحلة البلوع وبداية التكليف الشرعي، إذ يمر الإنسان في حياته بمراحل متعددة، ولكل مرحلة من هذه المراحل سمات وخصائص ومميزات مختلفة، ومن هذه المراحل الهامة والتي تشكل منعطفاً مهماً في حياة كل إنسان بلوغه مرحلة التكليف الشرعي، وتحمل المسؤوليات والواجبات الدينية.

وأضاف سماحته: يبدأ الإنسان رضيعاً ثم طفلاً غير مميز، ثم طفلاً مميزاً، ثم فتى بالغاً، ثم شاباً، ثم كهلاً، ثم شيخاً. وتنتهي مرحلة الطفولة عندما يبلغ الإنسان البلوغ الشرعي ويصبح مكلفاً بالأحكام الشرعية.

وأشار سماحته إلى أنه يرافق مرحلة البلوغ الكثير من التغيرات الجسمية والعقلية، فبالنسبة للتغيرات الجسمية ينمو جسم الإنسان في هذه المرحلة بصورة مذهلة وسريعة. كما يطرأ عليه العديد من التغيرات في جسمه حيث ينمو الشعر في وجهه وفي مناطق أخرى من بدنه، كما يبدأ صوته بالخشونة بعدما كان ناعماً أيام الطفولة ويظهر ذلك خصوصاً عند البنين ويكون بطيئاً وغير ملحوظ عند البنات، كما يبدأ الشباب بالاحتلام والفتيات برؤية الحيض كعلامة من علامات البلوغ ودخول مرحلة الشباب.

وتابع سماحته بالقول: كما يرافق دخول الإنسان مرحلة البلوغ تغيرات نفسية عميقة؛ فمن جهة يشعر الشاب البالغ بالنضج والتكامل النفسي، ومن جهة أخرى يعاني الشاب من أشد الاضطرابات النفسية.

وأوضح سماحته أن مرحلة البلوغ تتميز أيضاً بالنمو العقلي، إذ يختلف إدراك البالغ عن إدراك الطفل، حيث إن إدراك الطفل يتمركز ويتبلور حول الأمور الحسية المادية التي يعيشها ويشاهدها في بيئته وحياته. أما البالغ فيدرك الأمور المجردة الروحية والمعنوية أيضاً، أما الطفل فلا يدرك إلا الأمور الحسية والمادية الملموسة.

وأكد سماحته أن الخصائص والقدرات العقلية تنمو بصورة ملحوظة عند البلوغ كالحفظ والتذكر والانتباه والتركيز والتفكير والتفكر، وهذه القدرات يجب توظيفها في طاعة الله تعالى، وكسب العلم والمعرفة الدينية، لكي يبني الشاب البالغ شخصيته الإيمانية بصورة قوية ومتينة ومتميزة.

ودعا سماحة الشيخ عبدالله اليوسف الآباء والأمهات إلى الاحتفاء بالأولاد في يوم بلوغهم، لأن اليوم الذي يدخل فيه الإنسان مرحلة البلوغ يشكل منعطفاً مهماً في حياة كل واحد منا، فهو يصبح مكلفاً شرعاً بجميع ما أمر به الدين كالصلاة والصيام واجتناب جميع ما نهى عنه من محرمات وموبقات.

وطالب سماحته الآباء والأمهات إلى إعداد أولادهم لهذه المرحلة المهمة من حياتهم والاحتفاء بهم وتكريمهم حتى يجتازوا التكليف الشرعي بنجاح تام!

وشدد سماحته على أنه من هذا المنطلق يجب علينا الاحتفاء والاحتفال بيوم البلوغ، وأن نجعله يوم عيد لأولادنا البالغين حديثاً حتى يبقى يوماً خالداً في تاريخ كل إنسان بالغ، ويوم شكر لله تعالى على هذه النعمة والتوفيق.

ولفت سماحته إلى أهمية الاقتداء بسيرة علمائنا الأفاضل الذين كانوا يهتمون بيوم البلوغ بدرجة كبيرة، إذ جاء في سيرة السيد الجليل ابن طاووس (رحمه الله) أنه احتفى بولده في يوم بلوغه، واعتبره يوم عيد، وتصدق بمئة وخمسين دينار، عن كل سنة عشرة دنانير، وأمر ولده بتجديد الشكر في ذكرى بلوغه، وأعلمه معاني البلوع ودلالاته وواجباته ومسؤولياته.

وبيَّن سماحته أنه من المهم للغاية ألا نجعل هذا اليوم يوماً للاحتفال الشكلي فحسب، بل يجب العمل فيه على تثقيف الأولاد على العبادات والمعاملات، وتحمل المسؤولية، والقيام بواجبات التكليف الشرعي كاملة.

وأكد سماحة الشيخ اليوسف على أهمية التأهيل والإعداد المسبق للأولاد للتهيؤ لمرحلة البلوغ، لأنه يعد بداية التكليف الشرعي وتحمل المسؤولية.

وأوضح سماحته أن أول عمل يجب القيام به لتأهيل أولادنا لمرحلة البلوغ هو تثقيفهم بالدين، ويشمل شرح العقائد الإسلامية لهم، وبيان أصول الاعتقاد بصورة مبسطة ويما يتناسب مع قدراتهم العقلية والفكرية.

والأمر الآخر تثقيفهم وتعليمهم بفروع الدين، ومسائل العبادات كالوضوء والغسل والصلاة والصوم حتى يتقنوا الإتيان بالعبادات بصورة صحيحة ومكتملة، وحتى يؤدوها على الوجه الصحيح دون خلل أو نقصان.

وأشار سماحته إلى أهمية أن يكون تثقيف الأولاد وتعليمهم أصول الدين وفروعه مرتكزاً على أساليب جذابة لهم من خلال الرفق واللين، وتجنب القسوة والشدة في التعامل معهم، فقد جاء في فضيلة الرفق واللين  في العبادة جملة من الروايات ، ومنها:  ما ورد عن رسول اللَّهِ أنه قال: «إيّاكُم والتعمُّقَ في الدِّينِ، فإنّ اللَّهَ قد جَعَلَهُ سَهلًا، فَخُذُوا مِنهُ ما تُطِيقُونَ، فإنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ما دامَ مِن عَمَلٍ صالِحٍ، وإن كانَ يَسيراً ».

وعنه قال: «إنّ هذا الدِّينَ مَتِينٌ فَأوغِلُوا فيهِ برِفقٍ، ولا تُكَرِّهُوا عِبادَةَ اللَّهِ إلى‏ عِبادِ اللَّهِ فتكونوا كالراكِبِ المُنْبَتِّ الذي لا سَفَراً قَطَعَ ولا ظَهْراً أبقى‏ ».

وقال الإمامُ عليٌّ : «خادِعْ نفسَكَ في العِبادَةِ، وارفُقْ بها ولا تَقهَرْها، وخُذْ عَفوَها ونَشاطَها، إلّاما كانَ مَكتوباً علَيكَ مِن الفَريضَةِ، فإنّهُ لابُدَّ مِن قضائها وتَعاهُدِها عندَ مَحَلِّها ».

وحث سماحته على اتباع أسلوب (الترغيب والتشجيع) في التربية الدينية للأولاد لتأهيلهم ليوم التكليف الشرعي، فنرغب لهم العبادات، ونشجعهم على ذلك من خلال الاتيان لهم بالهدايا، أو إعطائهم بعض المال إن قاموا بالعمل العبادي المعين، أو واظبوا على ارتياد المساجد، أو لم يتركوا صلاة الجماعة وما أشيه ذلك.

ولفت سماحته إلى أن ثمة مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الوالدين في تشجيع أولادهم على العبادة، وخصوصاً الصلاة التي هي عمود الدين، ومعراج المؤمنين، فقد روي عن الإمام الباقر قوله: «إنّا نأمرُ صِبيانَنا بِالصَّلاةِ إذا كانوا بَني خَمسِ سِنينَ، فَمُروا صِبيانَكُم بِالصّلاةِ إذا كانوا بَني سَبعِ سِنينَ».

وأبدى سماحته الأسف الشديد لتعامل بعض الناس مع القضايا الدينية لأولاده باللامبالاة وعدم الاهتمام والاستخفاف، بل وربما يمنعهم من تعلم أحكام الإسلام، أو ارتياد المساجد، ولا يهمه النظر إلى مستقبلهم الإيماني والأخروي.

وأكد سماحته على أن أول ما يجب على المؤمنين عمله هو الشعور بالمسؤولية الدينية تجاه الأولاد، وتحسس همَّ انقياد أولاده للدين، والعمل بما يساعد على تربيتهم تربية دينية، كما كان بني الله ابراهيم الخليل يعيش هذا الهم الديني، فقد كان دائم الدعاء له ولذريته بالمحافظة على الصلاة وإقامتها، يقول تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء .

وختم سماحته الخطبة ببيان أهمية وجود القدوة الحسنة للأولاد داخل المنزل كأفضل وسيلة لتربيتهم تربية صالحة، فعندما يرى الأطفال آباءهم وأمهاتهم يحافظون على أداء الصلوات في مواقيتها، ويتلون القرآن كل يوم، ويجتنبون ما حرم الله تعالى من موبقات ومفاسد، فإن هذا يشجع الأولاد كثيراً على الاهتمام بالدين، وأداء العبادات، وتجنب المحرمات والموبقات، والسير على الصراط المستقيم.

وأوضح سماحته ضرورة أن يكون الأب لأولاده، والأم لبناتها القدوة الحسنة والمثل الأعلى في الالتزام بأحكام الدين حتى يتأثر الأطفال بهم، فالتربية من خلال القدوة الحسنة لها أثرها الإيجابي والفاعل في حياة الأولاد ومستقبلهم الإيماني والأخلاقي.

اضف هذا الموضوع الى: