العيد وتعزيز المحبة والتواصل والانفتاح
الشيخ عبدالله اليوسف - 5 / 9 / 2017م - 1:22 م

يعد العيد من أهم المناسبات الدينية التي تساهم في تعزيز قيم المحبة والانفتاح والتواصل بين أبناء المجتمع الواحد، كما يرمز العيد إلى قيم التعارف والتآلف والتراحم والتكافل والتسامح بين الناس، كما بين مختلف المكونات والشرائح الاجتماعية.

إن الإنسان يميل بطبيعته لبني جنسه، ويألف معهم، ويشعر بالسعادة والراحة النفسية عندما تكون علاقاته الاجتماعية قوية مع الآخرين ممن حوله، وخالية من المشاكل والأحقاد والضغائن والكراهية والعداوة معهم.

وقد أكدت النصوص الدينية على أهمية التآلف بين الناس، فقد قال رسولُ اللَّهِ : «خِيَارُكُمْ أحاسِنُكُمْ أخْلَاقاً، الّذِينَ يَألَفُونَ وَيُؤلَفُونَ»[1] . وعنه قال: «خَيْرُ المُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ مَأْلَفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَا خَيْرَ فِيْمَنْ لَايُؤلَفُ وَلَا يَألَفُ»[2] .

ومن أجل التآلف وزيادة المحبة يلزم  التخلص من أي أغلال أو أحقاد، يقول تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [3] .

وروي عن رسول الله قوله: «لا تَقاطَعُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا»[4] .

ويعبّر القرآن الكريم عن علاقة المؤمنين ببعضهم بالأخوة كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[5]  ويوصي الرسول الأكرم المسلمين إلى حسن العلاقة فيما بينهم إذ يقول : «كُونوا عِبادَ اللَّهِ إخواناً، ولا يَحِلُّ لمُسلِمٍ أن يَهجُرَ أخاهُ فَوقَ ثَلاثٍ»[6] . ويقول الإمامُ عليٌّ : «علَيكُم بالتَّواصُلِ والمُوافَقَةِ، وإيّاكُم والمُقاطَعَةَ والمُهاجَرَةَ»[7] .

فالقيم والتعاليم الدينية تؤكد على أهمية التآلف والتواصل والتحابب بين المؤمنين، وتنهى عن التقاطع والهجران والتباغض، فقد تحدث بين الأخوة المؤمنين، أو بين الأرحام بعضهم والبعض الآخر، أو بين الزملاء في العمل أو الدراسة سوء فهم، أو قطيعة لأي سبب كان؛ لكن يجب ألا تستمر هذه القطيعة، وهذا الهجران أكثر من ثلاثة أيام، فقد روي عن رسول الله أنه قال: «لا يَحِلُّ للمُؤمنِ أن يَهجُرَ أخاهُ‏ فَوقَ ثَلاثَةِ أيّامٍ»[8] .  وعنه : «لا هِجرَةَ بَعدَ ثَلاثٍ»[9] . وعنه : «أيُّما مُسلِمَينِ تَهاجَرا فمَكَثا ثَلاثاً لا يَصطَلِحانِ إلّاكانا خارِجَينِ مِن الإسلامِ، ولَم يَكُن بَينَهُما وَلايَةٌ، فأيُّهُما سَبَقَ إلى‏ كلامِ أخيهِ كانَ السّابِقَ إلَى الجَنَّةِ يَومَ الحِسابِ»[10] .

والعيد أفضل وقت ومناسبة لتعزيز التواصل مع الأرحام والجيران والزملاء والأصدقاء وسائر الناس، وتصفية القلب من أي غل أو حسد أو حقد أو كراهية أو عداوة أو بغضاء أو شحناء.

نبذ الكراهية

من أنواع الحقد والغِل: الكراهية وهي من أسوأ أنواع الإساءة، وأكثرها خطورة على المجتمعات البشرية، وأشدها ضرراً خاصة عندما تكون موجهة لأصحاب دين أو مذهب أو طائفة معينة لمجرد الاختلاف معهم فيما يعتقدون من أراء وأفكار.

والحض على الكراهية لدواعٍ دينية أو مذهبية أو عرقية أو قبلية أو فكرية تؤدي إلى تفكك المجتمع وإضعافه، وتوليد الفتن والمشاكل بين مكونات المجتمع المختلفة، ولذلك حذر القرآن الكريم من ذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[11]  فالسخرية أو اللمز أو التنابز بالألقاب منهي عنها ومحرمة شرعاً، لأن فيها استخفاف بالآخرين، والنظر إليهم بدونية واحتقار وعنصرية؛ مما يؤدي إلى ضرب السلم الأهلي، وتفكيك المجتمع، وخلق الفتن، فكيف بمن لا يرى حق الحياة لمن يختلف معهم وهم أحباء، وعدم جواز الترحم عليهم وهو أموات كما ذهب إلى ذلك البعض من المتطرفين!

ولمحاربة الكراهية يجب قلع الجذور الفكرية لخطاب الكراهية والأحقاد، وسن قانون يحمي الجميع من التعرض لأي نوع من أنواع الإساءة الناتجة من الحض على الكراهية والعنصرية.

إن الإسلام ينهى عن النظر إلى الآخرين بعنصرية أو كراهية أو أي نوع من أنواع الإساءة، ويدعو إلى المحبة والانفتاح والتواصل والتعاون بين الناس.

والعيد أفضل مناسبة لتأكد هذا المعنى الإيجابي، حيث يلتقي المسلمون من مختلف أنحاء العالم في الحج، كما يلتقون في صلاة الجمعة والجماعة والعيد وغيرها من المناسبات الدينية التي ترمز إلى روح الجماعة والتواصل والمحبة والمودة بين الناس.

أضف إلى ذلك ما توحي به القيم والتعاليم والإرشادات  الدينية التي تحث على التآلف والمحبة والتواصل والتعارف والتسامح وتنهى عن القطيعة والعداوة والبغضاء والكراهية.

الهوامش:

[1] تحف العقول: 45.
[2] بحار الأنوار: 72/ 265/ 9.
[3] سورة الحشر، الآية: 10.
[4] الترغيب والترهيب: 3/ 454/ 1.
[5] سورة الحجرات، الآية: 10.
[6] الترغيب والترهيب: 3/ 454/ 1.
[7] غرر الحكم: 6152.
[8] كنز العمّال: 24793.
[9] كنز العمّال: 24791.
[10] أصول الكافي: 2/ 345/ 5.
[11] سورة الحجرات، الآية: 11.
اضف هذا الموضوع الى: