مؤكدًا على أهمية تزكية النفس في بناء الشخصية
الشيخ اليوسف: اجتنبوا العداوات ولو بالتنازل عن بعض حقوقكم الشخصية
الشيخ عبدالله اليوسف يلقي خطبته (أرشيف)
الشيخ عبدالله اليوسف يلقي خطبته (أرشيف)

قال الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة عيد الفطر الأولى غرة شهر شوال 1446هـ الموافق 31 مارس 2025م إن تزكية النفس وإصلاحها، وتطهيرها من الرذائل الأخلاقية والصفات الذميمة، وتحليتها بالأخلاق الحسنة، والصفات الحميدة، والمحاسن الجميلة من العوامل المهمة في بناء شخصية الإنسان السويَّة.

وأضاف قائلًا: تنبع أهمية التزكية من حاجة الإنسان إلى تربية نفسه؛ فالنفس الإنسانية تحتوي على غرائز وشهوات، قد تجمح إن لم يكن المرء مزكيًا لنفسه، وله طباع ربما تكون رديئة، وقد تتسلل إلى نفسه صفات مذمومة بفعل معاشرته لأناس يتصفون بها؛ فالإنسان كائن يتأثر ويؤثر فيمن حوله، وليس كيانًا جامدًا لا يتغير ولا يتأثر.

وأكد على أن القرآن الكريم ذكر في موارد عديدة على أهمية تزكية النفس وتربيتها، وأنها مفتاح الفلاح كما في قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا فتربية النفس وتطهيرها من الرذائل والشوائب والملوثات تجعل الإنسان سعيدًا في حياته الدنيا، وفائزًا بالفلاح والنجاة في آخرته.

وبيَّن أن تزكية النفس تعود بالنفع والفائدة على المتزكي نفسه قبل غيره، كما أشار القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ فآثار وبركات وثمار التزكية تعود على صاحبها بالنفع والفائدة، فكما أن فعل الخير والإحسان إلى الآخرين يعود بالنفع أولًا على فاعله، كذلك التزكية تعود بالنفع العميم على المزكي نفسه.

وأوضح أن الإنسان في صراع مستمر وقوي بين عقله الذي يدعوه للاستقامة وهواه الذي يدعوه إلى إشباع شهواته بأي وسيلة كانت، ولذا فإن مجاهدة النفس هو الجهاد الأكبر كما عبَّر النبي عن ذلك لقوم رجعوا من جهاد الأعداء فقال لهم: «مَرْحَباً بقَومٍ قَضَوُا الجِهادَ الأصْغَرَ وبَقِيَ علَيهِمُ الجِهادُ الأكْبَرُ». قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، وما الجِهادُ الأكْبَرُ؟ قالَ: «جِهادُ النَّفْس».

وبيَّن خطوات تزكية النفس مبينًا أن الخطوة الأولي هي: أن يعرف الإنسان نفسه، ويتعرف على نقاط ضعفه، محذرًا من الغفلة عما يعتريه من نواقص وعيوب لأن ذلك يجعله يقع في أخطاء فاحشة؛ والخطوة الثانية الاجتهاد في التزكية،  فلا يكفي أن ينوي المرء تزكية نفسه وإصلاح ما فسد من أخلاقه، بل عليه أن يكون مجتهدًا في تزكية نفسه، متسلحًا بإرادة قوية لتهذيب نفسه، عازمًا على إصلاح ذاته؛ والخطوة الثالثة  مراقبة النفس ومحاسبتها، فبهما يربي الإنسان نفسه، ويصلح ما فسد من أمور ذاته؛ والخطوة الرابعة استحضار الموت والحساب في يوم القيامة، والخوف من الله سبحانه وتعالى، فهي من العوامل التي تحفز الإنسان على تزكية النفس، وأما التلهي بالدنيا والركض وراء ملذاتها وشهواتها فيؤدي إلى طول الأمل والحرص على الدنيا والطمع وهي أسباب تجعل المرء يعيش في غفلة عن ذكر الله، وعن إصلاح نفسه؛ والخطوة الخامسة مجالسة أهل الصلاح والتزكية والورع والتقوى، فالإنسان يتأثر بمن يعاشرهم ويخالطهم، فإذا خالط أهل الصلاح، وأهل التزكية والسلوك القويم تأثر بهم إيجابيًا، ولذا على الإنسان أن يكون حريصًا على اختيار جلسائه وأصدقائه بدقة، فيخالط أهل الدين ويجتنب مخالطة أهل الدنيا.

ودعا إلى المحافظة على ما غنمناه في شهر رمضان المبارك من تزكية لأنفسنا وتهذيب لذواتنا، لأنه من أهم الأوقات في تزكية النفس وتهذيبها.

وفي الخطبة الثانية تحدث الشيخ عبدالله اليوسف عن أهمية تأليف القلوب ونبذ الخصومات والعداوات بين الناس.

وأضاف قائلًا: الإسلام يدعو إلى تأليف القلوب، وتقريب النفوس إلى بعضها البعض، وترسيخ ثقافة المحبة والمودة والوئام والانسجام بين أفراد المجتمع ومكوناته.

وتابع: معنى تأليف القلوب جعل بعضها يميل إلى بعض، ويألف بعضها بعضًا، ويحب بعضها البعض الآخر؛ وأما التباغض بين القلوب والتخاصم بين الناس فيؤدي إلى نفور البعض من البعض الآخر، والشعور بكراهيتها، وتمني الشر لها.

وبيَّن أن للتنازع والخصومة مخاطر كبيرة ومساوئ سيئة وتداعيات عديدة، فهي تؤثر على النفس والعقل، وتمحق الدين، وتجلب العداوة، وتؤدي إلى الفشل الذريع كما ذكر القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ فالتنازع لا يثمر إلا الفشل والخيبة والضعف، بينما التوحد والاتحاد والترابط يخلق قوة ومناعة وعزة للجميع.

وأشار إلى أنه كلما كانت الخصومة مع أقرب الناس إلى الإنسان سواء كانوا من الأرحام والأقارب، أو من الأصدقاء والزملاء، أو من الجيران كانت آثارها السيئة وآلامها النفسية ومخاطرها أكثر وقعًا وأشد إيلامًا وضغطًا على الإنسان.

وتابع: لا تقتصر مخاطر الخصومات على الأفراد، بل تشمل المجتمع، فكلما كثرت فيه الخصومات والمنازعات تفرق المجتمع وتفككت أواصره وضعفت حصانته وأصبح عرضة لاختراق الأعداء المتربصين به؛ لذا يحث الله سبحانه وتعالى على الاعتصام بحبله المتين والنهي عن التفرق، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا.

ثم تحدث الشيخ اليوسف عن بعض موجبات الخصومات والعداوات بين الأرحام والأقارب أو بين عامة الناس، وذكر منها: سوء الظن؛ فهي من أبرز موجبات الخصومة، فسوء الظن بالآخرين، والتسرع في إطلاق الأحكام السلبية عليهم، أو تأويل كلامهم بما لا يحتمل، أو تفسير موقف معين بخلاف ما قصده صاحبه، كل ذلك يدفع بصاحبه إلى مخاصمة من أساء به الظن، فكم من خصومات وعداوات ومنازعات حدثت حتى بين الأرحام بسبب سوء الظن!

والموجب الثاني للخصومات هو الجدال العقيم الذي لا فائدة منه، والذي هدفه الطعن في كلام المتجادل معه، وإظهار ما فيه من خلل ونقص لتحقير قائله، وازدرائه وتسقيطه أمام الآخرين، فالمماري يتصيد على غيره أي خطأ في اللفظ أو المعنى لإظهار الانتصار على المتجادل معه.

والموجب الثالث للخصومات: تضارب المصالح، والتنافس غير الشريف، وخاصة مع ضيق الأفق، وغياب الحكمة، وهو ما يؤدي إلى التخاصم والتنازع والتقاطع؛ داعيًا إلى التنافس الإيجابي بروح طيبة من دون الإساءة إلى الآخرين لأنه يؤدي إلى نجاح الجميع، وكما قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وأما التنافس السلبي فهو مدعاة للخصومات والعداوات.

ودعا سماحته إلى نبذ الخصومات والعداوات بقدر المستطاع، فالإنسان الحكيم لا يدخل في خصومة مع أحد ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ولا ينجر إلى خصومة مع أحد، ويسعى بقدر جهده إلى اجتناب الخصومات مع الناس، وإذا حاول أحد أن يجره إلى مخاصمة أو نزاع يحاول الهروب منها ولو بالتنازل عن بعض حقوقه ومصالحه الشخصية حتى لا ينجر إلى نفق الخصومات والعداوات المقيتة.

وقال: إن من الذكاء -وليس الضعف كما يتصور البعض- احتواء الخصومات والعداوات والمنازعات، والتصرف بحكمة وضبط النفس، والسيطرة على الانفعالات الناتجة من محاولة أصحاب الخصومات للإيقاع بالطرف الآخر، وهي صفة من صفات عباد الرحمن الأتقياء كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ففي مقابل أهل الجهل والخصومات يطلق أهل الحكمة والعقل شعار (السلام) للتعبير عن ضبط النفس وعدم الدخول في الخصومات ما قلَّ منها أو كثر.

وانتقد الفجور في الخصومة قائلًا: من المزالق الخطيرة في الخصومات اتباع أساليب غير شريفة ومحرمة شرعًا كاستجازة الكذب في التعامل مع الخصوم، والبغي والافتراء عليهم، والعمل على تسقيطهم والحط من قدرهم وإن كانوا من أهل الإيمان والتقوى؛ ولذا على الإنسان أن يتقي الله عندما يخاصم أحدًا، ولا يفجر في مخاصمته له، لأن الفجور في الخصومة من صفات المنافقين، لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) – وهو يعدد صفات المنافقين-: «وإذا خاصَمَ فَجَرَ».

ودعا الجميع إلى المبادرة نحو الإصلاح في حالة وجود الخصومات والمشاحنات التي قد تقع لأي سبب كان، ففي كل مجتمع من المجتمعات تقع حالات من الخصومات والمشاحنات لأسباب مختلفة، والواجب في هذه الحالة السعي نحو الإصلاح بين المتخاصمين، وحل الخلافات الموجبة للمخاصمة والتنازع، حتى لا تتفاقم تلك الخصومات، لأن الخصومة قد تبدأ بسيطة ولكن قد تتفاعل وتتعقد وتصل إلى نفق مظلم لا نهاية له.

 واعتبر أن إصلاح ما فسد من العلاقات الأخوية بين الناس، سواء بين الأزواج أو الأصدقاء أو بين المؤمنين وغيرهم مهم للغاية، حتى يبقى المجتمع في وئام ووفاق وانسجام بين أفراده، فالمجتمع المتآلف أكثر قوة من المجتمع المتفكك، والمجتمع المتصالح مع نفسه أقوى من المجتمع المتعادي مع بعضه البعض، فلنعمل معًا على أن يسود المجتمع ثقافة المحبة والاحترام والتعاون.

اضف هذا الموضوع الى: